وقال هنا : الذي طلع فَجرُ قلبه وتلألأ نورُ التوحيد فيه، ثم ارتدّ قبل طلوع نهار إيمانه ؛ انكسفَ شمسُ يومه، وأظلم نهارُ عرفانه، ودَجا ليل شَكِّه، وغابت نجومُ عقله، فحدَّث عن ظلماتهم ولا حرج. هـ. ولا سيما إذا تحزّب مع العامة في الإذايَة، وقال للذين كرهوا ما نَزّل الله على أهل الخصوصية من الأسرار : سنُطيعكم في بعض الأمر من إذايتهم، والله يعلم أسرارهم، وباقي الوعيد الذي في الآية ربما يشملهم. وقوله تعالى :﴿أم حسب الذين في قلوبهم مرض﴾ أي : عداوةٌ لأولياء الله أن لن يُخرج اللّهُ أضغانهم ؟ بل يُخرجها ويُظهر وبالها، ويفتضحون ولو بعد حين، وقوله تعالى :﴿ولتعرفنهم في لحن القول﴾ في قوة الخطاب، ومفهوم الكلام ؛ لأن الأسِرَّة تدلُّ على السريرة، وما خامر القلوبَ فعلى الوجوه يلوحُ، وأنشدوا في المعنى :
لَستُ مَنْ لَيْس يَدْرِي مَا هوانٌ مِن كَرَامه
إِنَّ لِلْحُبِّ وَلِلْبَغْضِ عَلَى الْوَجْهِ عَلاَمه
المؤمن ينظر بنور الفراسة، والعارفُ ينظر بعين التحقيق، والموحِّدُ ينظر بالله، ولا يستتر عليه شيء. هـ. من القشيري.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٤
١٢٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولَنبلونَّكم﴾ أي : والله لَنختبرنَّكم بالأمر بالجهاد، ونحوه من التكاليف الشاقة، أي : نعاملكم معاملة المختبر ؛ ليكون أبلغ في أظهار العدل، ﴿حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين﴾ على مشاق الجهاد والتكاليف، عِلماً ظاهراً، يتعلق به الجزاء بعد تعلُّق العلم به في الأزل، ﴿ونبلوَ أخبارَكم﴾ أي : ونختبر أسراركم بإظهار ما فيها من خير أو شر، بالنهوض أو التخلُّف، وقيل : أراد بأخباركم : أعمالكم، عبّر بالأخبار عن الأعمال على سبيل الكناية ؛ لأن الإخبار تابع لوجود المخبر عنه، إن كان الخبر حسناً كان المخبر عنه - وهو العمل - حسناً، وإن كان الخبر قبيحاً فالمخبَر عنه قبيح. هـ.


الصفحة التالية
Icon