يقول الحق جلّ جلاله :﴿سيقولُ لك﴾ يا محمد إذا رجعت من الحديبية ﴿المخلَّفون من الأعراب﴾ وهم الذين تخلّفوا عن الحديبية، وهم أعراب غِفَار، ومُزَيْنةُ، وجهينة، وأسلم، وأشجع، والديل، وذلك انه ﷺ حين أراد المسير إلى مكة، عام الحديبية، معتمراً، استنفر مَن حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي، ليخرجوا معه، حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدُّوه عن البيت، وأحرم ﷺ وساق معه الهدي ؛ لِيُعْلمَ أنه لا يريد حرباً، فتثاقل كثير من الأعراب، وقالوا : نذهب إلى قوم غَزوهُ في داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه، فنقاتلهم، وظنوا أنه لا ينقلب إلى المدينة، فأوحى الله تعالى إليه ما قالوا، حيث تعلّلوا وقالوا :﴿شَغَلنا أموالُنا وأهلُونا﴾ ولم يكن تخلُّفنا عنك اختياراً، بل عن اضطرار، ﴿فاستغفر لنا﴾ فأكذبهم الله بقوله :﴿يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ فليس تخلُّفهم لأجل ذلك، وإنما تخلَّفوا شكّاً ونفاقاً، وطلبُهم الاستغفار أيضاً ليس بصادرٍ عن حقيقة.
١٣٧
﴿قل﴾ لهم :﴿فمَن يملك لكم من الله شيئاً﴾ فمَن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه ﴿إِن أراد بكم ضَرّاً﴾ أي : ما يضركم من هلاك الأهل، والمال وضياعها، حتى تخلّفتم عن الخروج لحفظها، ﴿أو أراد بكم نفعاً﴾ أي : مَن يقدر على ضَرَكم إن أراد بكم نزول من ينفعكم، من حفظ أموالكم وأهليكم، فأيّ حاجة إلى التخلُّف لأجل القيام بحفظهما والأمر كله بيد الله ؟ ﴿بل كان الله بما تعملون خبيراً﴾ إضراب عما قالوه، وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه، أي : ليس الأمر كما يقولون، بل كان الله خبيراً بجميع الأعمال، التي من جملتها تخلُّفكم وما هو سببه، فلا ينفعكم الكذب مع علم الله بجميع أسراركم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣٧