الإشارة : سيقول المخلِّفون عن السير بترك مجاهة النفوس، التي بها يتحقق سير السائرين : ذرونا نتبعكم في السير إلى الله من غير مجاهدة ولا تجريد، يريدون أن يُبدلوا كلامَ الله، وهو قوله :﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت : ٦٩]، فخصّ الهداية إلى الوصول بالمجاهدة، لا بالبقاء مع حظوظ النفوس، قل : لن تتبعونا في السير، ولو فعلتم ما فعلتم بلا مجاهدة، كذلك حكم الحكيم العليم، فإن قالوا : حسدتمونا، حيث لم تسيرونا على ما نحن عليه، فقد دلّ ذلك على جهلهم، وعدم فهمهم، قل للمخلفين على السير، بالبقاء مع حظوظهم : ستُدعون إلى مجاهدة قوم أُولي بأس شديد، وهو النفس، بتحميلها ما يثقل عليها، كالذل، والفقر، والهوى بمخالفته، والدنيا بالزهد فيها ورميها وراء الظهر، والناس بالفرار منهم جملة، إلا مَن يدلّ على الله، تقاتلوهم، أو يُسلمون، بأن ينقادوا لكم، ويصيروا طوع أيديكم، فإن تُطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً، وهو لذة الشهة، ورؤية الملك الودود، عاجلاً وآجلاً، وإن تتولوا كما توليتم في زمان البطالة، وبقيتم مع هوى نفوسكم، يُعذِّبكم عذاباً أليماً، بغم الحجاب وسوء العقاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣٩
قال القشيري : قوله تعالى ﴿فإن تُطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً﴾ دلت الآية على أنه يجوز أن تكون للعبد بداية غير مُرْضية، ثم تتغير للصلاح، وأنشدوا :
إذا فَسَدَ الإنسانُ بعد صلاحه
فَرَجِّ له بعد الفساد صلاحا
قلت : وجه الاستدلال : أن طاعتهم كانت بعد التخلُّف والعصيان، فقُبلت منهم.
١٤٠
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣٩