يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولو قاتلكم الذين كفروا﴾ من أهل مكة ولم يُصالحوا، أو من خلفاء خيبر، الذين جاؤوا لنصرهم ﴿لَوَلَّوا الأدبارَ﴾ منهزمين ﴿ثم لا يجدون وليّاً﴾ يلي أمرهم، ﴿ولا نصيراً﴾ ينصرهم. ﴿سُنَّةَ الله التي قد خَلَتْ من قبل﴾ مصدر مؤكد، أي : سنَّ الله غلبة أنبيائه سنة ماضية، وهو قوله :﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى﴾ [المجادلة : ٢١] ﴿ولن تجد لسنة الله تبديلاً﴾ تغيُّراً.
﴿وهو الذي كفَّ أيديَهم عنكم﴾ أي : أيدي كفار أهل مكة ﴿وأَيْدِيَكم عنهم﴾ عن أهل مكة ﴿ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم﴾ أي : أقدركم وسلَّطكم عليهم، يعني : قضى بينهم وبينكم المكافَّة والمحاجزة بعدما خوّلكم الظفر عليهم والغلبة، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، يطلب غرة بالمسلمين، فبعث رسولُ الله ﷺ خالدَ بن الوليد على جند، فهزمهم، حتى أدخلهم حيطان مكة، ثم عاد ثانياً فهمزمه، ثم عاد فهزمه، هكذا نقله الثعلبي وغيره. فانظره مع ما في الاكتفاء للكلاعي : أن خالداً كان مع المشركين في الحديبية، وإنما أسلم بعد الحديبية قبل الفتح، وكان في السنة الثامة، والحديبية في السادسة، والذي ذكر النسفي أنه عليه السلام بعث مَن هزمهم، ولم يسمه، وهزمُ خالد لبعض قريش إنما كان في الفتح، لا في الحديبية، فلعل الراوي غلط. وقال أنس : إن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي ﷺ وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر، عام الحديبية، ليقاتلوا المسلمين، فأخذهم النبي ﷺ سِلْماً، فأعتقهم، فنزلت الآية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٤


الصفحة التالية
Icon