الإشارة : يُقال لمَن سبقت لهم العناية، وحَفّت بهم الرعاية : لو قاتلكم الذين كفروا من النفس الأمّارة، والشيطان، والهوى، وسائر القواطع، لَوَلُّوا الأدبار، ثم لا يجدون تسلُّطاً عليكم أبداً، سُنَّة الله التي قد خلت فيمن توجه إليه بصدق الطلب، ودخل تحت تربية الرجال، فإن همتهم دائرة عليه، ولن تجد لسنَّة الله تبيدلاً. وهو الذي كفّ أيدي الأعداء من القواطع عنكم، وكَفّ أيديكم عنهم، من بعد أن أظفركم عليهم، فإنّ النفس إذا تعذّبت واطمأنت وجب الكفُّ عن مجاهدتها، ووجب البرور بها، وتصديقها فيما تحدثه، وكذا سائر القواطع تجب الغيبة عنها، وعدم الالتفات إليها غيبةً في الله واشتغالاً بشهوده. وقيل لبعضهم : متى ينتهي سير الطالبين ؟ قال :" الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا ". وأيضاً : لا تجتمع المجاهدة مع المشاهدة، فإذا تحققت المشاهدة فلا مجاهدة. هم الذين كفروا من النفوس المتمردة، والهوى، وصدُّوكم عن مسجد الحضرة، والهديَ معكوفاً، وحبسوكم عن التقرُّب إلى الله بالنفس والمال أن يبلغ محله، بأن تمنعكم من إعطائه، أو تُشِيبُه بما يُفسده من الرياء والعجب، لئلا تبلغ محل الإخلاص.
ثم ذكر حكمة منعهم من دخول مكة عام الحديبية، فقال :
﴿...
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٤
وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾

قلت :﴿أن تطؤوهم﴾ : بدل اشتمال من رجال ونساء، ومن ضمير " تعلموهم " وبغير متعلق بتطؤوهم، وجواب " لولا " محذوف، أغنى عنه جواب " لو " أي : لما كفّ أيديكم عنهم.


الصفحة التالية
Icon