يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولولا رجالٌ مؤمنون ونساء مؤمناتٌ﴾ بمكة، ضَعُفوا عن الهجرة ﴿لم تعلموهم﴾ لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم مع المشركين، ﴿أن تطأوهم بغير علمٍ﴾ أي : غير عالِمين بهم ﴿فتُصيبَكم منهم معرَّة﴾ أي : مشقة ومكروه. وفي تفسير المحلي " المعرة " بالإثم نظر، مع فرض عدم العلم، إلا أن يُحمل على صورة الإثم، وهو الخطأ، وفيه الكفارة. والمعرة : مفعلة من : عراهُ : إذا دهاه ما يكرهه وشقّ عليه، وهو هنا الكفارة إذا قتله خطأ، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلو بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز، والإثم إذا قصد قتله. والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة. والحاصل أنه كان بمكة قوم مسلمون مختلطون بالمشركين، غير متميّزين منهم، فقيل : ولولا كراهة أن تُهلكوا ناساً من المؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فتُصيبكم بإهلاكهم مشقة ومكروه، ولما كففنا أيديكم عنهم، ولسلطانكم عليهم.
١٤٦
وكان ذلك الكفّ ﴿ليُدخل اللّهُ في رحمته﴾ أي : في توفيقه لزيادة الخير والطاعة لمؤمنيهم، أو : ليدخلهم في الإسلام مَن رغب فيه من مشركيهم ﴿مَن يشاء﴾ زيادته أو هدايته، فاللام متعلقة بمحذوف، تعليل لما دلت عليه الآية، وسيقت له، من كفّ الأيدي عن أهل مكة، والمنع من قتلهم، صوناً لما بين أظهرهم من المؤمنين. ﴿لو تزيّلوا﴾ أي : تفرّقوا وتميّز المسلمون من الكافرين، ﴿لعذَّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً﴾ بقتل مقاتلهتم، وسبي ذراريهم. ويجوز أن يكون :" لو تزيّلوا " كالتكرير لـ " لولا.. " ؛ لمرجعهما لمعنى واحد ويكون ﴿لعذَّبنا...﴾ الخ، هو جواب " لولا " والتقدير : ولولا أن تطؤوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمناتٍ من غير علم، ولو كانوا متميزين لعذبناهم بالسيف.


الصفحة التالية
Icon