وهذا الوصف الذي مَدَحَ اللّهُ به الصحابةَ رضي الله عنهم مطلوبٌ من جميع المؤمنين، لقوله ﷺ :" ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادَّهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى " رواه البخاري، وقال أيضاً :" نَظَرُ الرجل إلى أخيهِ شوقاً خيراُ من اعتكاف سَنَة في مسجدِي هذا "، ذكره في الجامع.
﴿تراهم رُكَّعاً سجداً﴾ أي : تُشاهدُهم حال كونهم راكعين ساجدين ؛ لمواظبتهم على الصلوات، أو : على قيام الليل، كما قال مَن شاهد حالهم : رهبان بالليل أُسدٌ بالنهار، وهو استئناف، أو : خبر، ﴿يبتغون فضلاً من الله ورضواناً﴾ أي : ثواباً ورضا وتقريباً ﴿سِيماهم﴾ علامَاتهم ﴿في وجوههم﴾ في جباههم ﴿من أثر السجود﴾ أي : من التأثير الذي يؤثّره كثرة السجود. وما رُوي عنه عليه السلام :" لا تُعلموا صوَركم " أي : لا تسمُوها، إنما هو فيمن يتعَمد ذلك باعتماد جبهته على الأرض، ليحدث ذلك فيها، وذلك رياء ونفاق، وأما إن حَدَثَ بغير تعمُّد، فلا ينهى عنه، وقد ظهر على كثير من السلف الصالح غُرة في جباههم مع تحقُّق إخلاصهم. وقال منصور : سألت مجاهداً عن قوله :﴿سيماهم في وجوههم﴾ أهو الأثر يكون بين عيني الرجل ؟ قال : لا ربما يكون بين عيني الرجل مِثلُ ركبة البعير، وهو أقسى قلباً من الحجارة، ولكنه نورٌ في وجوهم من الخشوع. وقال ابن جيرح : هو الوقار والبهاء، وقيل : صفرة الوجوه، وأثر السهر. وقال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى، وما هم مرضى. وقال سفيان وعطاء : استنارت وجوههم من طول ما وصلُّوا بالليل، لقوله عليه السلام :" مَن كَثُرت صلاتُه بالليل حَسُن وجْههُ بالنَّهار " وقال ابن عطية : إنه من
١٥٢
قول شريك لا حديث، فانظره، وقال ابن جبير : في وجوههم يوم القيامة يُعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا لله تعالى. هـ.


الصفحة التالية
Icon