﴿يا أيها آمنوا لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبي﴾ شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي ﷺ، بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل، وإعادة النداء مع قرب العهد ؛ للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه، والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه ؛ أي : لا تبلغوا بأصواتكم وراء حدٍّ يبلغه صوته ﷺ، بل يكون كلامه عالياً لكلامكم، وجهره باهراً لجهركم، حتى تكون مزيّته عليكم لائحةً، وسابقته لديكم واضحة.
﴿ولا تجهروا له بالقول﴾ إذا كلّمتموه ﴿كجَهْرِ بعضِكم لبعضٍ﴾ أي : جهراً كائناً كالجهر الجاري فيما بينكم، بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته، واختاروا في مخاطبته القول اللين القريب من الهمس، كما هو الدأب في مخاطبة المهابِ المُعظّم، وحافظوا على مراعاة هيبة النبوة وجلالة مقدارها. وقيل : معنى :﴿لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض﴾ : لا تقولوا : يا محمد، يا أحمد، بل : يا رسول الله. يا نبي الله، ولمّا
١٥٦
نزلت هذه الآية ؛ ما كلّم رسولَ الله ﷺ أبو بكر إلا كأخي السِّرار.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمَاس، وكان في أذنيه وَقْر، وكان جَهْوَريَّ الصوت، وكان إذا تكلم رفع صوته، وربما كان يكلّم النبيَّ ﷺ فيتأذّى من صوته. هـ. والصحيح ما تقدّم. وفي الآية أنهم لم يُنهوا عن الجهر مطلقاً، وإنما نُهوا عن جهرٍ مخصوص، أي : الجهر المنعوت بمماثلة ما اعتادوه فيما بينهم، وهو الخلوّ عن مراعاة هيبة النبوة، وجلالة مقدارها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٥


الصفحة التالية
Icon