هذا ومناداتُهم من وراء الحجرات ؛ إما لأنهم أتَوْها حجرةً حجرة، فنادوه ﷺ من ورائها، أو : بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له ﷺ، أو : نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جُمعت إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل : الذي ناداه عُيينةُ بن حصن والأقرعُ، وإنما أُسند إلى جميعهم لأنهم راضون بذلك وأَمروا به. ﴿أكثرُهم لا يعقلون﴾ إذ لو كان لهم عقل لَمَا تجاسروا على هذه العظيمة من سوء الأدب.
١٥٩
﴿ولو أنهم صبروا﴾ أي : ولو تحقق صبرُهم وانتظارُهم، فمحل ﴿أنهم صبروا﴾ رفعٌ على الفاعلية ؛ لأنَّ " أنْ " تسبك بالمصدر، لكنها تفيد التحقق والثبوت، للفرق بين قولك : بلغني قيامك، وبلغني أنك قائم، و " حتى " تُفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مُغَيّاً بخروجه عليه السلام، فإنها مختصة بالغايات. والصبرُ. حبسُ النفس على أن تُنازع إلى هواها وقيل :" الصبر مرٌّ، لا يتجرعه إلا حُرٌّ ". أي : لو تأنوا حتى تخرج إليهم بلا مناداة ؛ لكان الصبرُ خيراً لهم من الاستعجال، لِما فيه من رعاية حسن الأدب، وتعظيمِ الرسول، الموجبتين للثناء والثواب، والإسعاف بالمسؤول ؛ إذ رُوي أنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العَنبر، وذلك أنه ﷺ بعث سريةً إلى حي بني العنبر، وأمّرَ عليهم عُيينة بن حِصن، فهربوا وتركوا عيالهم، فسباهم عُيينة، ثم قَدِم رجالُهم يَفْدون الذراري، فلما رأتهم الذراريُّ أجهشوا إلى آبائهم يَبْكون، فعَجلوا أن يخرج إليهم النبي ﷺ، فنادَوْه حتى أيقظوه من نومه، فخرج إليهم، فأطلق النصف وفادى النصف، ﴿والله غفور رحيم﴾ بليغ المغفرة والرحمة واسعهما، فلن يضيق ساحتُهما عن هؤلاء إن تابوا وأصلحوا.


الصفحة التالية
Icon