﴿واعلموا انَّ فيكم رسولَ الله﴾ فلا تكْذبوا، فإن الله يُخبره، فيهتك سر الكاذب، أو : فارجعوا إليه واطلبوا رأيه، ثم استأنف بقوله :﴿لو يُطيعُكم في كثير من الأمر لعَنتُّم﴾ لوقعتم في العنت ؛ وهو الجهد والهلاك. والتعبيرُ بالمضارع للدلالة على أنّ عَنَتَهم إنما يلزم في استمرار طاعته لهم في كل ما يعرض من الأمور، وأما طاعته في بعض الأمور استئلافاً لهم، فلا. انظر أبا السعود. وهذا يدل على أنَّ بعض المؤمنين زيّن لرسول الله ﷺ الإيقاع ببني المصطلق تصديقاً لقول الوليد، وأنَّ بعضهم كانوا يتصوّنون ويتحرّجون الوقوعَ بهم تأنياً وتثُبتاً في الأمر، وهم الذين استثناهم الله بقوله :
١٦١
﴿ولكنَّ الله حَبَّبَ إِليكم الإِيمانَ﴾ وأسنده إلى الكل تنبيهاً على أن أكثرهم تحرّجوا الوقوعَ بهم وتأنّوا، وقيل : هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، وهو تجديدٌ للخطاب وتوجيه إلى بعضهم بطريق الاستدراك، بياناً لِبراءَتهم عن أوصاف الأولين وإحماداً لأفعالهم، أي : ولكنه - تعالى - جعل الإيمان محبوباً لديكم ﴿وزيَّنه في قلوبكم﴾ حتى رسخ فيها، ولذلك صدر منكم ما يليق به من التثبُّت والتحرُّج، وحاصل الآية على هذا : واعلموا أنَّ فيكم رسول الله، فلا تُقِرُّون معه على خطأ، لو يطيعكم في كثير من الأمر لَعَنِتُّم، ولكنَّ الله حبّب إلى بعضكم الإيمان، فلا يأمر إلا بما هو صواب من التأنِّي وعدم العجلة.
قلت : والأحسن في معنى الاستدراك : أنَّ التقدير : لو يُطيعكم في كثير من الأمر لَعَنِتُّم، ولكن الله لا يُقره على طاعتكم بل ينزل عليه الوحي بما فيه صلاحُكم وراحتكُم ؛ لأنَّ الله حبَّبَ إليكم الإيمان وزيَّنيه في قلوبكم، فلا يسلك بكم إلا ما يليق بشأنكم من الحِفظ والعصمة.


الصفحة التالية
Icon