قلت : إذا وقعت الحرب بين القبائل فمَن تعدَّت تُربتَها إلى تربة غيرها فهي باغيةٌ، يجب كفُّها، وإذا وقعت بين الحدود ؛ فالمشهور : النهوض، ثم يقع السؤال عن السبب ؛ فمَن ظهر ظُلمه وَجَب كفّه، فإن أشكل الأمر، فالأمساك عن القتال أسلم. والله تعالى أعلم.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٣
فإِن فاءتْ﴾ عن البغي، وأقلعت عن القتال ؛ ﴿فأَصْلِحوا بينهما بالعدل﴾ بفصل ما بينهما على حُكمِ الله تعالى، ولا تكتفوا بمجرد متاركتِهما ؛ لئلا يكون بينهما قتال في وقتٍ آخر، وتقييدُ الإصلاح بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة، وقد أكد ذلك بقوله :﴿وأَقْسِطوا﴾ أي : واعدلوا في كل ما تأتون وما تَذرون، ﴿إِنَّ الله يحب المُقْسِطِين﴾ العادلين، فيُجازيهم أحسنَ الجزاء، والقَسط بالفتح : الجَور، وبالكسر : العدلُ، والفعل من الأول : قَسط فهو قاسط : جارَ، ومن الثاني : أقسط فهو مقسط : عَدل، وهمزتُه للسلب، أي : أزل القسط، أي : الجور.
والآية نزلت في قتالٍ حدث بين الأوس والخزرج، وذلك أنَّ رسول الله ﷺ ذهب يعود سعدَ بنَ عُبادة، فمرّ بمجلسٍ من الأنصار، فيه أخلاط من المسلمين والمنافقين، فوقف ﷺ على المجلس، ووعظ وذكَّر، فقال عبد الله بن أُبي : يا هذا، لا تؤذنا في مجالسنا، واجلس في موضعك، فمَن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بنُ رواحة : بل أغثنا يا رسول الله وذكِّرنا، فارتفعت أصواتهما، وتضاربوا بالنعال، فنزلت الآية، وقيل غير ذلك.
١٦٤
وفي الآية دليل على أنَّ لا يخرج ببغيه عن الإيمان، وأنه يجب نُصرة المظلوم، وعلى فضيلة الإصلاح بين الناس.