﴿ولا﴾ يسخر ﴿نساءٌ﴾ مؤمنات ﴿من نساءٍ﴾ منهن ﴿عسى أن يَكُنَّ﴾ أي : المسخور منهن ﴿خيراً منهن﴾ أي : الساخرات، فإنّ مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يَظهرَ من الصور والأشكال، والأوضاع والأطوار، التي عليها يدور أمر السخرية، وإنما هي الأمور الكامنة في القلوب، من تحقيق الإيمان، وكمال الإيقان، وموارد العرفان، وهي خَفيّة، فقد يُصغّر العبدُ مَن عظَّم اللّهُ، ويتحقرُ مَن وقّره الله، فيسقطُ من عين الله، فينبغي ألا يجترئ أحدٌ على الاستهزاء بأحدٍ إذا رآه رَثّ الحال، أو ذا عاهة في بدنه، ولو في دنيه، فلعله يتوب ويُبتلى بما ابْتُلي به. وفي الحديث :" لا تُظْهِر الشماتَة لأخيك فيُعافِيه الله ويبتليكَ " وعن ابن مسعود رضي الله عنه : البلاء موكّل بالقول، لو سخِرتُ من كلب لخشيتُ أن أُحَوَّل كلباً. هـ.
وتنكير القوم والنساء ؛ إما لإرادة البعض، أي : لا يسخر بعضُ المؤمنين والمؤمنات من بعض، وإما لإرادة الشيوع، وأن يصير كل جماعة منهم مَنهية عن السخرية، وإنما لم يقل : رجلٌ من رجلٍ، ولا امرأةٌ من امرأة ؛ إعلاماً بإقدام غير واحد من رجالهم وغير واحدٍ من نسائهم على السخرية، واستفظاعاً للشأن الذي كانوا عليه.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٧
ولا تَلْمِزُوا أنفسَكُم﴾ ولا يعيب بعضكم بعضاً بالطعن في نسبه أو دينه، واللمز :
١٦٧
الطعن والضرب باللسان، والمؤمنون كنفس واحدة، فإذا عاب المؤمنُ فقد عاب نفسه. وقيل : معناه : لا تفعلوا ما تلمزون به أنفسكم بالتعرُّض للكلام ؛ لأن مَن فعل ما استحق به اللمز فقد لمزَ نفسَه حقيقة. ﴿ولا تَنابزوا بالألقاب﴾ أي : لا يَدْعُ بعضكم بعضاً بلقب السوء، فالتنابزُ بالألقاب : التداعي بها. والتلقيبُ المنهي عنه ما يُدخِل على المدعُوِّ به كراهيةً، لكونه تقصيراً به وذمّاً له، فأمَا ما يُحبه فلا بأس به، وكذا ما يقع به التمييز، كقول المحدِّثين : حدثنا الأعمش والأحدب والأعور.