رُوي أن قوماً من بني تميم استهزأوا ببلال وخَبَّاب وعَمَّار وصُهيب، فنزلت. وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة، وكانت قصيرة، وعن أنس : عَيّرت نساءُ النبي ﷺ أمَّ سلمة بالقِصَر، فنزلت. ورُوي : أنها نزلت في ثابت بن قيس، وكان به وَقْر - أي : صمم - فكانوا يوسِّعون له في مجلس رسول الله ﷺ، فأتى قوماً وهو يقول : تفسَّحوا، حتى انتهى إلى رسول الله ﷺ فقال لرجل : تنحّ ؛ فلم يفعل، فقال : مَن هذا ؟ فقال : أنا فلان ابن فلانة - يريد أُمّاً كان يُعَير بها في الجاهلية، فخجل الرجُل، فنزلت، فقال ثابت : والله لا أفخر على أحد بعد هذا أبداً.
وقال ابن زيد : معنى ﴿ولا تَنابزوا بالألقاب﴾ لا يقل أحد : يا يهودي، بعد إسلامه، ولا يا فاسق، بعد توبته. ﴿بئس الاسمُ الفسوقُ بعد الإيمان﴾ يعني : أن اللقب بئس الاسمُ هو، وهو ارتكابُ الفسق بعد الإيمان، وهو استهجان للتنابز بالألقاب، وارتكاب هذه الجريمة بعد الدخول في الإسلام، أو : بئس قولُ الرجل لأخيه : يا فاسق، بعد تبوته، أو : يا يهودي، بعد إيمانه، أي : بئس الرمي بالفسوق بعد بالإيمان.
رُوي : أنَّ الآية نزلت في صفية بنت حُيي، أتت رسولَ الله ﷺ فقالت : إن النساء يقُلن لي : يا يهودية بنتُ يهوديَّيْن، فقال ﷺ :" هلاّ قلت : إن أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد ﷺ "، أو يُراد بالاسم هنا : الذكر، من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرام أو اللؤم، كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن يُذكروا بالفسق.
وقوله :﴿بعد الإِيمان﴾ استقباح للجميع بين الإيمان والفسق الذي يحظره الإيمان، كما تقول : بئس الشأن بعد الكبرة الصَّبْوة. ﴿ومن لم يتبْ﴾ عما نُهي عنه ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ بوضع المخالفة موضع الطاعة، فإن تاب واستغفر ؛ خرج من الظلم.


الصفحة التالية
Icon