والحاصل : أنه يجب ترك البحث عن أخبار الناس، والتماس المعاذر، حتى يُحسن الظن بالجميع، فإنَّ التجسُّس هو السبب في الوقوع في الغيبة، ولذلك قدّمه الحق - تغالى - عن النهي عن الغيبة، حيث قال :﴿ولا يغتب بعضُكم بعضاً﴾ أي : لا يذكر بعضُكم بعضاً بسوء. فالغيبة : الذكرُ بالعيب في ظهر الغيب، من الاغتياب، كالغِيْلَةِ من الاغتيال. وسئل ﷺ عن الغيبة، فقال :" ذِكْرُك أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه ". وعن معاذ : كنا مع رسول الله ﷺ فذَكَر القومُ رجلاً : فقالوا : لا يأكل إلا إذا أُطعم، ولا يرحل إلا إذا رُحِّل، فما أضعفه! فقال عليه السلام :" اغتبتم أخاكم "، فقالوا : يا رسول الله، أوَ غيبة أن يُحدَّث بما فيه ؟ قال :" فَحَسْبُكم غيبةً أن تُحدِّثوا عن أخيكم بما فيه " قال أبو هريرة : قام رجل من عند النبي ﷺ فرأَوْا في قيامه عَجْزاً، فقالوا : يا رسول الله، ما أعجز فلاناً! فقال عليه السلام :" أَكَلْتُم لحْمَ أخيكم واغتبتموه ". قال النووي : الغيبة : كلّ ما أفهمت به غيرَك نقصان مسلم عاقل، وهو حرام. هـ. قوله : ما أفهمت... الخ، يتناول اللفظ الصريح والكناية والرمزَ والتعريضَ والإشارة بالعين والرأس، والتحكية بأن يفعل مثلَه، كالتعارج، أو يحكي كلامَه على هيئته ليُضحك غيره، فهذا كله حرام، إن فهَم المخاطَب تعيين الشخص المغتاب، وإلا فلا بأس، والله تعالى أعلم. ولا فرق بين غيبة الحي والميت، لما ورد :" مَن شتمَ ميتاً أو اغتابه فكأنما شتم ألف نبي، ومَن اغتابه فكأنما اغتاب ألفَ ملَك، وأحبط الله له عمل سبعين سنة، ووضع على قدمه سبعين كيةً من نار
١٧١


الصفحة التالية
Icon