والسامع للغيبة كالمغتاب، إلاَّ أن يُغَير أو يقوم، وورد عن الشيخ أبي المواهب التونسي الشاذلي أن النبي ﷺ قال له :" فإن كان ولا بد من سماعك غيبة الناس - أي : وقع منك - فاقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين، واهدِ ثوابها للمغتاب ؛ فإن الله يُرضيه عنك بذلك " هـ.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : الغيبة إدامُ كلابِ الناس. هـ. وتشبيههم بالكلاب في التمزيق والتخريق، فهم يُمزقون أعراض الناس، كالكلاب على الجيفة، لا يطيب لهم مجلسٌ إلا بذكر عيوب الناس. وفي الحديث :" رأيت ليلة أُسري بي رجالاً لهم أظفار من نحاس، يَخْمشُون وجوههم ولحومَهم، فقلت : مَن هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ". ﴿أيُحب أحدُكم أن يأكلَ لَحْمَ أخيه مَيْتاً﴾ هذا تمثيل وتصوير لما ينالُه المغتاب من عِرضِ المغتابِ على أفحش وجه. وفيه مبالغات، منها : الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها : فعلُ ما هو الغاية في الكراهية موصولاً بالمحبة، ومنها : إسناد الفعل إلى ﴿أحدكم﴾ إشعاراً بأنَّ أحداً مِن الأحدين لا يُحبُّ ذلك، ومنها : أنها لم يَقْتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم مطلق الإنسان، بجعله أخاً للآكل، ومنها : أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخر حتى جعله ميتاً. وعن قتادة : كما تكره إن وجدت جيفة مُدَوّدة أن تأكل منها : كذلك فاكْرَه لحم أخيك. هـ.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٩
ولمَّا قررهم بأن أحداً منهم لا يُحب أكل جيفة أخيه عقَّب ذلك بقوله :﴿فكَرِهْتُموه﴾ أي : وحيث كان الأمر كما ذُكر فقد كرهتموه، فكما تحققت كراهتُكم له باستقامة العقل فاكْرَهوا ما هو نظيره باستقامة الدين.


الصفحة التالية
Icon