﴿واتقوا الله﴾ في ترك ما أمِرتم باجتنابه، والندم على ما صدَر منكم منه، فإنكم إن اتقتيم وتُبتم تقبَّل الله توبتكم، وأنعم عليكم بثواب المتقين التائبين، ﴿إِنَّ الله توّاب رحيم﴾ مبالغ في قبول التوبة، وإفاضة الرحمة، حيث جعل التائب كمَن لا ذنب له، ولم يخص تائباً دون تائب، بل يعم الجميع، وإن كثرت ذنوبه.
رُوي أنَّ سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة، ويُصلح طعامَهما، فنام عن شأنه يوماً، فبعثاه إلى رسول الله ﷺ فقال :" ما عندي شيء " فأخبرهما سلمان، فقالا : لو بعثناه إلى بئر سَميحةٍ لَغار مَاؤُها. فلما جاءا إلى رسول الله ﷺ قال لهما :" مَا لي أَرى حُمرَةَ اللَّحم في أَفْواهِكُما ؟ " فقالا : ما تناولنا لَحْماً، فقال :" إنكما قد اغْتَبتُما، مَن اغتاب مسلماً فقد أكل لحمه "، ثم قرأ الآية.
وقيل : غيبة الخلق إنما تكون بالغيبة عن الحق. هـ. قاله النسفي. قال بعضهم
١٧٢
والغيبة صاعقة الدين فمَن أراد أن يُفرّق حسناته يميناً وشمالاً ؛ فليغتب الناس. وقيل : مثلُ صاحب الغيبة مثل مَن نصب منجنيقاً فهو يرمي به حسناته يميناً وشمالاً، شرقاً وغرباً. هـ. والأحاديث والحكايات في ذم الغيبة كثيرة، نجانا الله منها بحفظه ورعايته. وهل هي من الكبائر أو من الصغائر ؟ خلاف، رجّح بعَضٌ أنها من الصغائر ؛ لعموم البلوى بها، قال بعضهم : هي فاكهةُ القراء، ومراتعُ النساء، وبساتينُ الملوك، ومَزبلةُ المتقين، وإدام كلام الناس. هـ.


الصفحة التالية
Icon