الإشارة : مَن نظر الناسَ بعين الجمع عذَرهم فيما يصدرُ منهم، وحسَّن الظنَّ فيما لم يصدر منهم، وعظَّم الجميع، ومَن نظرهم بعين الفرق طال خصمه معهم فيما فَعلوا، وساء ظنُّه بهم فيما لم يفعلوا، وصغَّرهم حيث لم يرَ منهم ما لا يُعجبه، فالسلامةُ : النظر إليهم بعين الجمع، وإقامةُ الحقوق عليهم في مقام الفرق، قياماً بالحكمة في عين القدرة. وفي الحديث :" ثلاثة دبّت لهذه الأمة : الظن، والطيرة، والحسد، قيل : فما النجاة ؟ قال :" إذا ظننت فلا تحقّق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ " أو كما قال عليه السلام. قال القشيري : النفسُ لا تُصدَّق، والقلب لا يُكذَّب، والتمييزُ بينهما مُشْكِلٌ، ومَن بَقِيَتْ عليه من حظوظه بقيةٌ - وإن قلّت - فليس له أن يَدَّعي بيانَ القلب - أي : استفتاءه - بل يتهمَ نفسه ما دام عليه شيء من نفسه، ويجب أن يتهم نَفْسَه في كل ما يقع له من نقصان غيره، هذا أمير المؤمنين عمرُ قال وهو يخطب الناس :" كُلّ الناسِ أفقه من عمر حتى النساء ". هـ.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٩
قوله تعالى :﴿ولا تجسسوا...﴾ الخ، التجسُّس عن أخبار الناس من علامة الإفلاس، قال القشيري : العارف لا يتفرّغ من شهود الحقِّ إلى شهود الخلق، فكيف يتفرّغ إلى التجسُّس عن أحوالهم ؟ ! لأن مَن اشتغل بنفسه لا يتفرَغ إلى الخلق، ومَن اشتغل بالحق لا يتفرّغ لنفسه، فكيف إلى غيره ؟ ! هـ.
قوله تعالى :﴿ولا يغتب بعضُكم بعضاً﴾ ليست الغيبة خاصة باللسان في حق الخاصة، بل تكون أيضاً بالقلب، وحديث النفس، فيُعاتبون عليها كما تُعاتَب العامةُ على غيبة اللسان، وتذكّر قضية الجنيد مع الفقير الذي رآه يسأل، وهي مشهورة، وتقدّمت حكاية أبي سعيد الخراز، ونقل الكواشي عن أبي عثمان : أنَّ مَن وجد في قلبه غيبةً
١٧٣


الصفحة التالية
Icon