وعن يزيد بن شَجَرَةَ : مرّ رسولُ الله ﷺ في سوق المدينة، فرأى غلاماً أسود، قائماً يُنادَى عليه ؛ مَن يزيد في ثمنه، وكان الغلام يقول : مَن اشتراني فعلى شرط ألاَّ يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله ﷺ، فاشتراه بعضهم، فعادَه رسولُ الله ﷺ، ثم تُوفي، فتولى رسولُ الله ﷺ غُسله وتكفينَه ودفنَه، فقالت المهاجرون : هاجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا، فما نرى أحداً منا لقي في حياته ولا موته ما لقي هذا الغلام، وقالت الأنصار : آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا، فآثر علينا عبداً حبشيّاً، فنزلت. وقال ﷺ :" إنَّ الله لا ينظر إلى صُوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وإنما أنتم بنو آدم، أكرمكم عند الله أتقاكم، وأنتم تقولون : فلان ابن فلان، وأنا اليوم أرفَع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون " وقيل : يا رسول الله، مَن أكرمُ الناس ؟ قال :" أتقاهم " هـ. وأنشدوا :
مَا يَصْنع الْعَبدُ بعِزّ الْغِنَى
وَالْعِزُّ كُلُّ العزِّ للمُتَّقِي
مَنْ عرف الله فلم تُغنِه
مَعرفةُ الله فذاك الشَّقِي
﴿إِنّ الله عليمٌ خبير﴾ عليم بكرم القلوب وتقواها، خيبر بهمم النفوس في هواها.
الإشارة : كان سيدنا عليّ رضي الله عنه يقول :" ما لابن آدم والفخر، أوله نُطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وفيما بينهما يحمل العذرة " وكان يُنشد :
الناسُ من جِهة التمثيل أَكْفاءُ
أَبوهم آدمٌ والأم حوّاءٌ
ومَن يَرْمِ منهُم فَخْراً بذي نَسب
فإن أصْلَهُم الطِّينُ والماءُ
مَا الفخرُ إلا لأهل العِلم إِنَّهمُ
علَى الهدى لَمن اهتدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كل امرِىءٍ ما كان يُتقنُه
وَالجاهلون لأهل العلم أعداءُ
١٧٥


الصفحة التالية
Icon