﴿والنَّخْلُ باسقاتٍ﴾ طوالاً في السماء، أو : حوامل، من : بسَقت الشاة : إذا حملت. وتخصيصها بالذكر مع اندراجها في " جنات " لبيان فضلها على سائر الأشجار، ﴿لها طَلع نَضِيدٌ﴾ منضود، بعضه فوق بعض، والمراد : تراكم الطلع، أو : كثرة ما فيه من الثمر، ﴿رزقاً للعباد﴾ أي : لرزق أشباحهم، كما أن قوله :﴿تبصرة وذكرى﴾ لرزق أرواحهم. وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بما ذكر من حيث التذكُّر والتبصُّر الذي هو رزق الروح أهم وأقدم من تمتُّعه من حيث الرزق الحسي، ﴿وأحيينا به﴾ بذلك الماء ﴿بلدةً ميتاً﴾ أرضاً جدبة، لا نماء فيها أصلاً، فلما أنزلنا عليه الماء رب واهتزت بالنبات والأزهار، بعدما كانت جامدة. وضمَّن البلدة معنى البلد فذَكَّر الوصف. ﴿كذلك الخروجُ﴾ من القبور، فكما حييت هذه البلدة الميتة كذلك تُخرجون أحياء بعد موتكم، لأن إحياء الموت كإحياء الأموات. وقدّم الخبر للقصد إلى القصر. والإشارة في " كذلك " إلى الحياة المستفادة من الإحياء، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببُعد رتبها، أي : مثل ذلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور، لا شيء مخالف لها. وفي التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالإحياء، وعن حياة الأموات بالخروج ؛ تفخيم لشأن النبات، وتهوين لأمر البعث، وتحقيق للمماثلة ؛ لتوضيح منهاج القياس، وتقريبه إلى أفهام الناس.
الإشارة :﴿قا﴾ أيها القريب المقرَّب، وحق القرآن المجيد، إنك لحبيب مجيد، رسول من عند الله الملك المجيد، وإن كنت بشراً فنسبتك من البشر كياقوتة بين الحجر، فالبشرية لا تُنافي الخصوصية، بل تجامعها مِنَّةً منه تعالى وفضلاً، على مَن شاء من عباده، فاستبعاد الكفار مجامعة الخصوصية للبشرية كاستبعاد إبليس تفضيل آدم لكونه بشراً
١٨٣