من طين، وذلك قياس فاسد، مضاد للنص، وكما استَبعدت الكفرة وجود خصوصية النبوة في البشر، استبعدت الجهلُ خصوصية التربية بالإصطلاح في البشر، بل عجِبوا أن جاءهم منذر منهم، يدل على الله، ويُبين الطريق إليه، قالوا : هذا شيء عجيب :﴿أئذا متنا﴾ بأن ماتت قلوبنا بالغفلة، ﴿وكنا تراباً﴾ أرضيين بشريين، تحيى أرواحنا بمعرفة العيان ؟ ! ذلك رجع بعيد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨١
قال تعالى :﴿قد علمنا ما تنقص الأرض منهم﴾ أرض النفوس من أرواحهم، وتهوي بها إلى الحضيض الأسفل، فيجذبها إلى أعلى عليين، إن سبقت عنايتنا، وعندنا كتاب حفيظ يحفظ المراتب والمقامات، فيلتحق كل واحد بما سبق له. بل كذّبوا بالحق، وهو الداعي إلى الحق، لمّا جاءهم في كل زمان، فهم في أمر مريج، تارة يُقرون وجود التربية بالهمّة والحال، وينكرون الاصطلاح، وتارة يُقرون بالجميع، وينكرون تعيينه، أفلم ينظروا إلى سماء القلوب والأرواح، كيف بنيناها، أي : رفعنا قدرها بالعلوم والمعارف، وزيَّنَّاها بأنوار الإيمان والإحسان، وليس فيها خلل، وأرض النفوس مددناها : جعلناها بساطاً للعبودية، وألقينا فيها رواسي أرسيناها بالعقول الصافية الثابتة، لئلا تضطرب عند زلزلات الامتحان، وأنبتنا فيها من كل صنف بهيج، من فنون علم الحكمة والتشريع، تبصرةً وتذكيراً لكل عبدٍ منيبٍ، راجع إلى مولاه، قاصدٍ لمعرفته.