﴿قال قرينُه﴾ أي : شيطانه الذي قُرن به، وهذا يؤيد أن المراد بالمتقدم جنس القرين، وإنما أُخليت هذه الجملة من الواو دون الأولى ؛ لأن الأولى واجب عطفها ؛ للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أي : مجيء كل نفس مع ملكين وقول قرينه ما قال له، وأما هذه فهي مستأنفة، كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول، كما في مقاولة موسى وفرعون في وقوله :﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ﴾ [الشعراء : ٢٣ - ٣١] إلى آخر الآيات، فكأن الكافر قال : هو أطغاني، فأجابه قرينُه بتكذيبه فقال :﴿ربنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلال بعيد﴾ عن الحق، أي : ما أوقعته في الطغيان بالقهر، ولكن طغى واختار الضلالة على الهدى، وهذا كقوله :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ﴾ [إبراهيم : ٢٢]، فالوسوسة والتزيين حاصل منه، والاختيار من الكافر، والفعل لله، لا يُسأل عما يفعل.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٩
قال﴾
تعالى :﴿لا تختصمون لَدَيَّ﴾ أي : في موقف الحساب والجزاء، إذ لا فائدة
١٩٠
في ذلك، والجملة استئناف جواب عن سؤال، كأن قائلاً قال : فماذا قال الله تعالى لهم ؟ قال : لا تختصموا عندي ﴿وقد قَدَّمتُ إِليكم بالوعيد﴾ في دار الكسب على ألسنة رسلي، فلا تطمعوا في الخلاص منه بما أنتم فيه من التعلُّل بالمعاذير الباطلة. والجملة فيها تعليل للنهي، على معنى : لا تختصموا وقد صحّ عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد حيث قالت :" لأملأن جهنم... " الخ، فاتبعتموه معرضين عن الحق، فلا وجه للاختصام في هذا الوقت. والباء إما مزيدة كما في قوله :﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة : ١٩٥] أو معدية على أن " قَدَّم " مضارع تقدم.


الصفحة التالية
Icon