الإشارة : قرين الإنسان نَفْسُه الأمّارة ورُوحه المطمئنة، فإذا غلبت النفسُ على الروح وصرّفت صاحبها في الهوى، تقول يوم القيامة : هذا ما لديّ عتيد، مهيَّا للعتاب، فيقال لهما : ألقيا في نار القطيعة كلَّ كفّار للنعم، جحود لوجود الطبيب، منّاع للخير، فلم يصرفه فيما يخلصه من نفسه، معتدٍ على الله بتكبُّره، وعدم حط رأسه للداعي إلى الله، مُريب، قد لعبت به الشكوك والأوهام والخواطر، أو : شاك في وجود الطبيب، الذي جعل مع الله إلهاً آخر، يُحبه ويخضع له، من الهوى والدنيا، وكل ما أشركه مع الله في المحبة، فألقياه في العذاب الشديد : الحجب عن الله، وعدم اللحوق بأولياء الله، أو العذاب الحسي. قال قرينه - روحه التي كانت سماوية، فصيّرها أرضية، بمتابعة هواه : ربنا ما أطغيته، فإنه ليس الإغواء والإطغاء من شأني، ولكن كان في ضلال بعيد، حيث أطاع نفسه وهواه، ورماني في مزابل الشهوات والغفلة، قال تعالى :﴿لا تختصموا لَدَيَّ﴾ اليوم، قد قدمت إليكم بالوعيد، حيث قلت :﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارة بِالسُّوء﴾ [يوسف : ٥٣] ﴿قَدْ أَفَلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس : ٩، ١٠] وقلت في شأن مَن جاهد نفسه، وردها لأصلها :﴿ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ [الفجر : ٢٧] الآية، ﴿ما يُبدلّ القولُ لَدَيَّ﴾ فإني وعدت أهل المجاهدة بالوصول إلى حضرتي، والتنعُّم برؤيتي بقولي :﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا...﴾ [العنكبوت : ٦٩] الآية، وأهلَ الغفلة بالحجاب، بقولي :﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين : ١٤، ١٥]، وما ظلمت أحداً قط، لأن الظلم ليس من شأني، ولا يليق بمُلكي.
١٩١
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٩