يقول الحق جلّ جلاله : واذكر ﴿يوم يقول لجهنم هل امتلأتِ﴾ ؟ وقرأ غير نافع وشعبة : بنون العظمة. فالعامل في الظرف : اذكر أو :" بظلاّم " أو محذوف مؤخر، أي : يكون من الأحوال والأهوال ما يقصر عنه المقال، ﴿وتقول هل من مزيد﴾ ؟ أي : من زيادة، مصدر كالمجيد، أو : مفعول، كالمنيع، أي : هل بقي ما يزاد، يعني : أنها مع اتساعها وتباعد أقطارها يُطرح فيها الناس والجِنة فوجاً بعد فوج حتى تملأ ﴿وتقول﴾ بعد امتلائها :﴿هل من مزيد﴾ أي : هل بقي فيَّ موضع لم يمتلئ ؟ ! يعني : قد امتلأت. أو : أنها من السعة يدخل مَن يدخلها ولم تمتلئ فتطلب المزيد، وهذا أولى.
قال ابن جزي : واختلف هل تتكلم جهنم حقيقة، أو مجازاً بلسان الحال، والأظهر : أنه حقيقة، وذلك على الله يسير، ومعنى قولها : هل من مزيد : أنها تطلب الزيادة، وكانت لم تمتلئ، وقيل : معناه : لا مزيد، أي : ليس عندي موضع للزيادة، فهي على هذا قد امتلأت، والأول أرجح، لما ورد في الحديث :" لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضعَ الجبارُ فيها قدمه، فتنزوي، وتقول : قَطْ قَطْ " وفي هذا الحديث كلام ليس هذا موضعه. هـ.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٩٢
قال في الحاشية : ووضع القدم مَثَلٌ للردع والقمع، أي : يأتيها أمر يكفها عن طلب المزيد. وقال ابن حجر : واختلف في المراد بالقدم، فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة. ثم قال : وقال كثير من أهل العلم بتأويل ذلك، فقيل : المراد إذلال جهنم، فإنها إذا بلغت في الطغيان، وطلبت المزيد، أذلّها الله، كوضعها تحت القدم، وليس المراد حقيقة القدم، والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء ظرفاً للأمثال، ولا تريد أعيانها كقولهم : رغم أنفه، وسقط في يده. هـ. قلت : مَن دخل بحار الأحدية لم يصعب عليه حلّ أمثال هذه الشُبّه، فإن تجليات الحق لا تنحصر، فيتجلّى سبحانه كيف شاء، وبما شاء، ولا حضر ولا تحييز، ولا يفهم هذه إلا أهل الفناء والبقاء بصحبة الرجال.
١٩٢


الصفحة التالية
Icon