ثم قال تعالى :﴿وأُزلفتْ الجنةُ للمتقين﴾ وهو شروع في بيان أحوال المؤمنين بعد النفخ ومجيء النفوس إلى موقف الحساب. وتقديم الكفرة في أمثال هذا ؛ إما لتقديم الترهيب على الترغيب، أو لكثرة أهل الكفر، فإن المؤمنين بينهم كالشعرة البيضاء في جلدٍ أسود، أي : قربت الجنة للمتقين الكفر والمعاصي، بحيث يشاهدونها من الموقف، ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن، فيبتهجون بأنهم محشورون إليها، فائزون بها، ويأتي في الإشارة بقية بيان، إن شاء الله. وقوله :﴿غيرَ بعيدٍ﴾ تأكيد للإزلاف، أي : مكاناً غير بعيد، ويجوز أن يكون التذكير لكونه على زنة المصدر، الذي يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث، أو لتأوّل الجنة بالبستان. ﴿هذا ما تُوعدون﴾ أي : هذا الثواب، أو الإزلاف، ما كنتم توعدون به في الدنيا، وهو حاصل ﴿لكل أواب﴾ أي : رجّاع إلى الله تعالى، ﴿حفيظٍ﴾ لأوامر الله، أو لما استودعه الله من حقوقه، ﴿مَنْ خَشِيَ الرحمنَ بالغيب﴾ : بدل من " أواب " أو مبتدأ، خبره : أدخلوها، على تقدير : يقال لهم : ادخلوها ؛ لأن " من " في معنى الجمع، والخشية : انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة أو التقصير أو الهيبة. وقوله تعالى :﴿بالغيب﴾ حال من فاعل " خشي "، أو من مفعوله، أو صفة لمصدره، أي : خشية ملتبسة بالغيب، حيث خشي عقابه وهو غائب عنه، وخشي الرحمن وهو غائب عن الأعين في رداء الكبرياء، لا تراه الأعين الحسية الحادثة، والتعرُّض لعنوان الرحمن للثناء البليغ على الخاشي، حيث خشيَه مع علمه بسعة رحمته، فلم يصدهم علمهم بسعة رحمته عن خوفه تعالى، أو : للإشعار بأنهم مع خشيتهم عقابه راجون رحمته. ﴿وجاء بقلب منيب﴾ راجع إلى الله، أو سريرةٍ مَرضيةٍ، وعقيدةٍ صحيحة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٩٢