جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠٠
ثم أجابهم بقوله :﴿يومَ هم على النار يُفتنون﴾ أي : يقع يوم هم على النار يُحرقون ويُعذّبون، ويجوز أن يكون خبراً عن مضمر، أي : هو يوم هم، وبُني لإضافته إلى مضمر، ويُؤيده أنه قُرئ بالرفع. ﴿ذُوقوا فِتْنتكم﴾ أي : وتقول لهم خزنة النار : ذوقوا عذابكم وإحراقكم بالنار، ﴿هذا الذي كنتم به تستعجلون﴾ أي : هذا العذاب هو الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا، بقولكم :﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ [الأعراف : ٧٠] فـ " هذا " : مبتدأ، و " الذي... " الخ : خبر، ويجوز أن يكون " هذا " بدلاً من فتنتكم، و " الذي " : صفته. الإشارة : أقسم الله تعالى بسماء الحقائق، وتُسمى سماء الأرواح ؛ لأن أهل الحقائق روحانيون سماويون، ترقَّوا من أرض الأشباح إلى سماء الأرواح، حيث غلبت روحانيتهم، على بشريتهم، كما أن أهل الشرائع اليابسة أرضيين بشريين، حيث غلبت بشريتهم الطينية على روحانيتهم السماوية، ولكل واحدٍ طُرق، فطُرق سماء الحقائق هي المسالك التي تُوصل إليها، وهي قَطْع المقامات والمنازل، وخَرق الحُجب النفسانية، حتى يُفضوا إلى مقام العيان " في مقعد صدق عند مليك مقتدر " وطُرق أرض الشرائع هي المذاهب التي سلكها الأولون، واقتدى بهم الآخرون، يفضوا أهلها إلى رضا الله ونعيمه. وكان الشيخ الشاذلي رضي الله عنه يقول في تلميذه المرسي : إن أبا العباس أعرف بطُرق السماء منه
٢٠١
بطُرق الأرض، أي : أعرف بمسالك الحقائق منه بمذاهب الشرائع، وهذا إشارة قوله :﴿ذات الحُبك﴾ أي : الطُرق. إن أهل الجهل بالله لفي قولٍ مُختلفٍ مضطرب، لا تجد قلوبهم تأتلف على شيء، قلوبهم متشعبة، ونياتهم مختلفة، وهممهم دنية، وأقوالهم مضطربة، بخلاف أهل الحقائق العارفين بالله، قلوبهم مجتمعة على محبة واحدة، وقصدٍ واحد، وهو الله، بدايتهم في السلوك مختلفة، ونهايتهم متفقة، وهو الوصول إلى حضرة العيان، ولله در ابن البنا، حيث قال :