﴿وفي السماء رزقكم﴾ وهو المطر. وعن الحسن ؛ أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه : فيه رزقكم إلا أنكم تُحرمونه بخطاياكم، أو : في سماء الغيب تقدير رزقكم. فهو مضمون عند الله في سماء غيبه، ستر ذلك بسر الحكمة، وهو الأسباب، ﴿وما تُوعدون﴾ أي : وفي السماء ما تُوعدون من الثواب ؛ لأن الجنة في السماء السابعة، سقفها العرش، أو : أراد : إنما تُوعدونه من الرزق في الدنيا وما تُوعدونه في العقبى كله مقدّر ومكتوب في السماء، وقيل : إنه مبتدأ وخبره :﴿فَوَرَبُّ السماءِ والأرض إِنه لَحقٌّ﴾ أي : ما توعدون من البعث وما بعده، أو : ما توعدونه من الرزق المقسوم، فَوَرَبِّ العالم العلوي والسفلي ﴿إِنه لحقٌّ مثل ما أنكم تنطقون﴾ أي : مثل نطقكم، شبّه ما وعد به من الرزق وغيره بتحقُّق نطق الآدمي ؛ لأنه ضروري، يعرفه من نفسه كلُّ أحد.
قال الطيبي : وإنما خصّ النطق دون سائر الأعمال الضرورية، لكونه أبقى وأظهر، ومن الاحتمال أبعد، فإنّ النطق يُفصح عن كل شيء، ويجلي كل شبهة. هـ. فَضمان الرزق وإنجاز وعده ضروري، كنطق الناطق. رُوي عن الأصمعي أنه قال : أقبلتُ من جامع البصرة، فطلع أعرابي على قَعود، فقال : مَنْ الرجل ؟ فقلت : من بني أصمع، فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من موضع يتلى فيه كلام الله، قال : اتل عليَّ، فتلوت :﴿والذاريات...﴾ فلما بلغت قوله :﴿وفي السماء رزقكم﴾ قال : حسبك، فقام إلى ناقته
٢٠٦
فنحرها، ووزعها على مَن أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسّرهما، وولّى، فلما حججت مع الرشيد، وطُفت، فإذا أنا بصوت رقيق يهتف بي، فالتفتّ، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفرّ، فسلّم عليَّ، واستقرأ السورة، فلما بلغتُ الآية، صاح، وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّاً، ثم قال : وهل غير هذا ؟ فقرأتُ :﴿فَوَرَبِّ السماء والأرض إِنه لَحقٌّ﴾ فقال : سبحان الله! مَن الذي أغضب الجليل حتى حلف ؟ لم يُصدقوه بقوله حتى حلف، قالها ثلاثاً، وخرجت معها نَفْسُه. هـ. من النسفي.


الصفحة التالية
Icon