جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠٥
قلت : وقد سمعت حكاية أخرى، فيها عبرة، وذلك أن رجلاً سمع قارئاً يقرأ هذه الآية، فدخل بيته، ولزم زاوية منه يذكر فيها، ويتبتل، فجاءت امرأته تنقم عليه، وتأمره بالخدمة، فقال لها : قال تعالى :﴿وفي السماء رزقكم﴾، فلما أيست منه ذهبت تحفر شيئاً، فوجدت آنية مملوءة دنانير، فجاءت إليه، وقالت : قد أتانا رزقنا، قم تحرفه معي، هو في موضع كذا، فقال : إنما قال تعالى :﴿في السماء﴾ ولم يقل في الأرض، فامتنع فذهبت إلى أخٍ لها تستعين به، فلما فتحتها وجدتها مملوءة عقارب، فقالت : والله لأطرحنها عليه لنستريح منه، ففتحت كوة من السقف، وطرحتها عليه، فسقطت دنانير، فقال : الآن نعم، قد آتاني من حيث قال ربي :﴿وفي السماء رزقكم﴾. هـ. وذكر في التنوير : أن الملائكة لمّا نزلت هذه الآية ضجّت في السماء، وقالت : ما أضعف بني آدم حتى أحوجوا ربهم إلى الحلف. الإشارة : وفي أرض نفوس العارفين آيات، منها : أن الأرض تحمل كل شيء، ولا تستثقل شيئاً، فكذلك نفس العارف، تحمل كُلَّ كَلٍّ وثقيل، ومَن استثقل حملاً، أو تبرّم من أحد، أو من شيء، ساقته القدرة إليه، فلغيبته عن الحق، ومطالعته الخلق بعين التفرقة، وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة. ومنها : أنها يلقى عليها كل قذارة وقمامة فتُنبت كل زهر ونَور وورد، فكذلك العارف يُلقى عليه كل جفاء، ولا يظهر منه إلا الصفاء. ومنها أن الأرض الطيبة تُنبت الطيب، وينصع نباتها، والأرض السبخة لا تُنبت شيئاً، كذلك القلوب الطيبة تُنبت كل ما يلقى فيها من الخير، والقلوب الخبيثة لا تعي شيئاً، ولا ينبت فيها إلا الخبيث.


الصفحة التالية
Icon