يقول الحق جلّ جلاله :﴿وما خلقتُ الجنَّ والإِنس إِلا ليعبدون﴾ أي : إلا لنأمرهم بالعبادة والخضوع لربوبيتي، لا لنستعين بهم على شأن من شؤوني، كما هي عادة السادات في كسب العبيد، ليستعينوا بهم على أمر الرزق والمعاش، ويدلّ على هذا التأويل : قوله تعالى ﴿وما أريد منهم من رزق...﴾ الخ، قال ابن المنير، إلا لأمرهم بعبادته، لا لطلب رزقٍ لأنفسهم، ولا إطعام لي، كما هو حال السادات من الخلق مع عبيدهم، بل الله هو الذي يرزق، وإنما على عباده العبادة له ؛ لأنهم مُكلَّفون، ابتلاءً وامتحاناً، أما الإرادة فكما تعلقت بالعبادة تعلقت بما يخالفها، لقوله :﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ﴾ [الأعراف : ١٧٩]. هـ. وقيل المعنى : ما خلقهم إلا مستعدين للعبادة، متمكنين منها أتم استعداد، وأكمل تمكُّن، فمنهم مَن أطاع، ومنهم مَن كفر، وهو كقولهم : البقرة مخلوقة للحرث، أي : قابلة لذلك، وقد يكون فيها مَن لا يحرث. والحاصل : أنه لا يلزم من كون الشيء مُعدّاً لشيءٍ أن يقع منه جميع ذلك.
أو : ما خلقتهم إلا ليتذللوا لي، ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قواعد شرع، وهذا عام في الكل، طوعاً أو كرهاً ؛ إذ كل ما خلق مُنقاد لقدرته وقهريته، عابد له بهذا المعنى. وفي البخاري : وما خلقت أهل السعادة من الفريقين إلا ليُوحِّدون. وقال بعضهم : خلقهم ليفْعلوا، ففعل بعضٌ وترك بعضٌ. وليس فيه حجة لأهل القدر. هـ. منه، والمراد بأهل القدر : المعتزلة، القائلون بأن الله تعالى لم يُرد الكفر والمعاصي، وهو باطل، وسيأتي في الإشارة بقية تحقيق إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon