الإشارة : يوم تمور سماء الأرواح، أي : تتحرك الأرواح وتهيج بالواردات الإلهية، شوقاً إلى اللقاء، فإذا حصل اللقاء وقع لها السكون والطمأنينة، ولذلك قيل :" المحبة أولها جنون، ووسطها فنون، وآخرها سكون ". وسبب هذا الاضطراب الذي يظهر على المريد في أول بدايته : أنَّ جند الأنوار إذا أراد أن يدخل على جند الأغيار، ويُخرجه من وطنه - الذي هو باطن العبد - وقع بينهما تجارب وتضارب، فجند الأنوار يريد أن يقلع جند الأغيار من باطن العبد، ويسكن هو، وجند الأغيار يريد المقام في وطنه، فلا يزال القتال بينهما، حتى يغلب واحد منهما، فإذا غلب جند الأنوار سكن في الباطن، وسكن الظاهر، ولم تقع فكرة العبد إلا في التوحيد، أو ما يقرب إلى الحق تعالى، وإذا غلب جند الأغيار، ولم يترك جند الأنوار يدخل إلى الباطل، سكن الظاهر أيضاً، ويبقى باطن البعد محشوّاً بالخواطر والوساوس الدنيوية كما كان، ورجع العبد إلى مقام العمومية. وقوله تعالى :﴿وتسير الجبال سيراً﴾ أي : تزول جبال وجود العبد عند إشراق أنوار الحقائق، ﴿فويل يومئذ للمكذِّبين﴾ أي : بُعْدٌ لأهل الإنكار عن حضرة الأسرار، حين ظفر الطالب بالمطلوب، ووصل المحب إلى المحبوب، الذين هم في خوض الدنيا وشهواتها وزخارفها يلعبون، لا حديث لهم إلا عليها، ولا فكرة إلا فيها. يوم يُدَعّون إلى النار القطيعة والبُعد، دعّاً، لا خلاص منها، ولا رجوع، فتناديهم عزةُ الحق تعالى :﴿هذه النار التي كنتم بها تُكذِّبون﴾ وتقولون : لا يقطعنا عن الله شيء من الدنيا، وترمون أهلَ التربية بالسحر، أفسحر هذا أم أنتم لا تُبصرون حقائق هذه المعاني ؟ اصْلَوا نار القطيعة، فاصبروا على غم الحجاب، ﴿أو لا تصبروا﴾ إذ لم تصبروا على مخالفة النفوس حين ينفعكم الصبر، سواء عليكم أجزعتم أم صبرتم، ﴿إنما تُجْزَون ما كنتم تعملون﴾ في الدنيا، من إيثار الهوى والحظوظ، على مجاهدة النفوس.
٢٢١


الصفحة التالية
Icon