ما لا يفعل، فكيف يجتمع أوصاف هؤلاء في واحد ؟ وكانت قريش يُدْعَون أهل الأحلام والنُهي، فكذبهم ما صدر منهم من هذه المقالات المضطربة، ﴿أم هم قوم طاغُون﴾ يجُازون الحدودَ في المكابرة والعناد، ولا يحومون حول الرشد والسداد. وإسناد الأمر إلى الأحلام مجاز.
﴿أم يقولون تَقوَّله﴾ اختلقته من تلقاء نفسه، ﴿بل لا يؤمنون﴾ ردّ عليهم، أي : ليس الأمر كما زعموا، بل لكفرهم وعنادهم يقذفون بهذه الأباطيل، التي لا يخفى بطلانها على أحد، فكيف يقدر البشر أن يأتي بما عجز عنه كافة الأمم من العرب والعجم، ﴿فليأتوا بحديثٍ مِثْلِه﴾ أي : مثل القرآن في البلاغة والإعجاز ﴿إِن كانوا صادقين﴾ في أن محمداً تقوّله من تلقاء نفسه ؛ لأنه بلغاتهم، وهم فصحاء، مشاركون له ﷺ في العربية والبلاغة، مع ما لهم من طُول الممارسة للخطب والأشعار، وكثرة المقاولة للنظم والثر، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام، ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به مع دواعي الأمر بذلك من تعجيزهم وإفحامهم وطلب معارضتهم.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢٦
أم خُلقوا من غير شيءٍ﴾
أي : أم أُحدثوا وقُدّروا هذا التقدير البديع، الذي عليه فطرتهم، من غير محدث ومقدّر. أو : أم خُلقوا من غير شيء من الحكمة، بأن خُلقوا عبثاً، فلا يتوجه عليهم حساب ولا عقاب ؟ ﴿أم هم الخالقون﴾ المُوجدون لأنفسهم ؟ فيلزم عليه الدور، وهو تقدُّم الشيء على نفسه وتأخُّره عنها، ﴿أم خَلقوا السماوات والأرض﴾ فلا يعبدون خالقِهما ﴿بل لا يُوقنون﴾ لا يتدبرون في الآيات، فيعلمون خالقهم، وخالق السموات والأرض، فيُفردونه بالعبادة.


الصفحة التالية
Icon