ما كَذَبَ الفؤادُ} أي : فؤاد محمد عليه السلام ﴿ما رأى﴾ أي : ما رآه ببصره من صورة جبريل على تلك الكيفية، أو : من نور الحق تعالى الذي تجلّى له، أي : ما قال فؤاده لَمَّا رآه : لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذباً ؛ لأنه عرفه بقلبه، كما عرفه ببصره، وقيل : على إسقاط الخافض، أي : ما كذب القلب فيما رآه البصر، بل ما رآه ببصره حققه، وفي الحديث : سئل ﷺ هل رأيت ربك ؟ قال :" رأيت ربي بفؤادي مرتين "، حديث آخر :" جعل نور بصري في فؤادي، فنظرتُ إليه بفؤادي "، يعني أنه انعكس نور البصر إلى نور البصيرة فرأى ببصره ما رأته البصيرة، وجاء أيضاً : أنه لما انتهى إلى العرش صار كله بصراً، وبهذا يرتفع الخلاف، وأنه رآه ببصر رأسه ؛ وقوله عليه السلام حين سأله أبو ذر : هل رأيت ربك ؟ فقال " نورَاني أراه " وفي رواية :" نورٌ أَنَّى أراه " ؟ بالاستفهام، وفي طريق آخر :" رأيت نوراً " وحاصلها : أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته ؛ إذ لا يمكن أن ترى الذات إلا بواسطة التجليات، كما هو مقرر عند محققي الصوفية، كما قال الشاعر :
وليستْ تُنال الذاتُ من غير مَظهرٍ
ولو هُتك الإنسانُ من شدةِ الحرصِ
وقال كعب لابن عباس : إنَّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلَّم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين. وقيل لابن عباس : ألم يقل الله :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام : ١٠٣]، قال : ذلك إذا تجلّى بنوره. الذي هو نوره الأصلي، يعني أن الله تعالى يتجلّى لخلقه على ما يطيقون، ولو تجلّى بنوره الأصلي لتلاشى الخلق، كما قال في
٢٣٤


الصفحة التالية
Icon