إشارة أخرى :﴿وكم من ملك...﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا...﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه ﷺ، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده.
٢٤١
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٣٩