﴿فلا تُزكُّوا أنفسكم﴾ فلا تنسبوها إلى زكاء الأعمال، وزيادة الخير والطاعات، أو : إلى الزكاة والطهارة من المساوئ، ولا تُثنوا عليها، واهضموها، فقد علم اللّهُ الزكيَّ منكم والتقِيّ، قبل أن يُخرجكم من صُلب آدم، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم. وقيل : كان ناس يعملون أعمالاً حسنة، ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجّنا، فنزلت. وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء، لا على سبيل الاعتراف بالنعمة، والتحدُّث بها، فإنه جائز ؛ لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكرها. والأحسن في إيراد الاعتراف والشكر أن يُقدم ذكر نقصه، فيقول مثلاً : كنا جُهالاً فعلَّمنا الله، وكنا ضُلاَّلاً فهدانا الله، وكنا غافلين فأيقظنا الله، وهكذا نحن اليوم كذا وكذا.
قال ابن عطية : ويُحتمل أن يكون نهياً عن أن يُزَكِّي بعضُ الناس بعضاً، وإذا كان هذا، فإنما ينهى عن تزكية السَّمع، أو القطع بالتزكية، ومن ذلك الحديث في " عثمان بن مظعون " عند موته، وأما تزكية القدوة أو الإمام، أو أحداً، ليؤتم به أو لِيَتَهَمَّمَ الناس بالخير، فجائز، وقد زكَّى رسولُ الله ﷺ أبا بكر وغيره، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائزة ؟ للضرورة إليها، وأصل التزكية : التقوى، والله تعالى أعلم بتقوى الناس منكم. هـ.
وقال في القوت : هذه الذنوب تدخل على النفوس من معاني صفاتها، وغرائز جبلاتها، وأول إنشائها من نبات الأرض، وتركيب الأطوار في الأرحام، خَلْقٍ مِن بعد خلقٍ، ومن اختلاط الامشاج بعضها مع بعض، ولذلك عقبه بقوله :﴿هو أعلم بكم إذ أنشأكم...﴾ الآية. هـ.
ثم قال تعالى :﴿هو أعلم بمن اتقى﴾ فاكتفوا بعلمه عن علم الناس، وبجزائه عن ثناء الناس. وبالله التوفيق.