﴿إِنَّ ربك واسعُ المغفرة﴾ يستر العيوب، ويُوصل إلى حضرة الغيوب. هو أعلم بكم إذ أنشأكم من أرض البشرية، ورقّاكم إلى عالم الروحانية، وإذ أنتم أَجنة في أول بدايتكم في بطون أمهاتكم، في بطون الهوى والغفلة، ودائرة الكون، فأخرجكم منها بمحض فضله، فلا تُزكُّوا أنفسكم، فتنظروا إليها بعين الرضا، أو تنسبوا إليها شيئاً من الكمالات قبل صفائها. قال القشيري : تزيكة المرء نفسه علامة كونه محجوباً ؛ لأنَّ المجذوب عن بقائه، المستغرق في شهود ربِّه، لا يُزكِّي نفسه. هـ. قلت : هذا ما دام في السير، وأما إن حصل له الوصول ؛ فلا نفس له، وإنما يُزكّي ربه إذا زكّاها، هو أعلم بمَن اتقى ما سواه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٤٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أفرأيتَ الذي تولَّى﴾ أعرض عن الإيمان ﴿وأعطَى قليلاً وأكْدى﴾ أي : قطع عطيته وأمسك، وأصله : إكداء الحافر، وهو أن تلقاه كُدْية - وهي صلابة، كالصخرة - فيمسك عن الحفر. قال ابن عباس :" هو فيمن كفر بعد الإيمان "، وقيل : في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتّبع رسولّ الله ﷺ فعيّره بعضُ الكافرين، وقال : تركتَ دين الأشياخ، وزعمتَ أنهم في النار ؟ قال : إني خشيتُ عذاب الله، فضمن له إن أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى شركه، أن يتحمّل عنه عذاب الله، ففعل ذلك المغرور، وأعطى الذي عاتبه بعضَ ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه. ﴿أعنده علْمُ الغيبِ فهو يَرى﴾ أي : يعلم هذا المغرور أنَّ له حق ؟


الصفحة التالية
Icon