يقول الحق جلّ جلاله :﴿كذبت قبلهم﴾ أي : قبل أهل مكة ﴿قومُ نوح فكذَّبوا عبدنا﴾ نوحاً عليه السلام. ومعنى تكرار التكذيب : أنهم كذَّبوا تكذيباً عقب تكذيب، كلما خلا منهم قرن مكذِّب، جاء عقبه قرن آخر مكذِّب مثله، وقيل : كذبت قوم نوح الرسل، ﴿فكذَّبوا عبدنا﴾ ؛ لأنه من جملتهم. وفي ذكره عليه السلام بعنوان العبودية مع إضافته لنون العظمة ؛ تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله، وزيادة تشينع لمكذِّبيه، ﴿وقالوا مجنون﴾ أي : لم يقتصروا على مجرد التكذيب، بل نسبوه للجنون، ﴿وازْدُجِرْ﴾ أي : زجر عن أداء الرسالة ؛ بالشتم، وهدّد بالقتل، أو : هو من جملة قولهم، أي : قالوا : هو مجنون وقد ازدجرته الجن، أي : تخبّطته وذهبت بلُبه.
﴿فدعا ربَّه﴾ حين أيس منهم ﴿أني مغلوب﴾ أي : بأني مغلوب من جهة قومي، بتسليطهم عليّ، فلم يسمعوني، واستحكم اليأس من إجابتهم. قال القشيري : مغلوب بالتسلُّط لا بالحجة، إذ الحجة كانت له. هـ. وهذا جار فيمن لم يستجب لك، تقول : غلبني. ثم دعى عليهم بقوله :﴿فانتصرْ﴾ ؛ فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وذلك بعد تحقُّق يأسه منهم وعظم إذايتهم. فقد رُوي أن الواحد منهم كان يلقاه فيضربه حتى يغشى عليه، فيقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
﴿ففتحنا أبوابَ السماء بما منهمرٍ﴾ منصب بكثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً، قال يمان : حتى طبق بين السماء والأرض، وقيل : كانوا يطلبون المطر سنين، فأُهلكوا بمطلوبهم. وفتح الأبواب كناية عن كثرة الأمطار، وشدة إنصابها، وقيل : كان في السماء يومئذ أبواب حقيقة.
٢٥٤