﴿وفجَّرنا الأرض عيوناً﴾ وجلعنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك : وفجرنا عيون الأرض، ومثله :﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ [مريم : ٤] في إفادة العموم والشمول، ﴿فالتقى الماءُ﴾ أي : مياه السماء ومياه الأرض، وقرئ :" الماءان "، أي : النوعان من الماء السمائي والأرضي. ﴿على أمر قد قُدِر﴾ أي : قُضي في أم الكتاب، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان، أو : قدر أنّ الماءين يكون مقدارهما واحداً من غير تفاوت. قيل : كان ماء السماء بارداً كالثلج، وماء الأرض مثل الحميم، ويقال : إنّ الماء الذي نبع من الأرض نضب، والذي نزل من السماء بَقِيَ حارّاً.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٤
وحملناه على ذات ألواح﴾ أي : أخشاب عريضة، والمراد : السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام موصوفها كالشرح له، وهو من فصيح الكلام ومن بديعه، ﴿ودُسُرٍ﴾ ومسامير، جمع : دسار، وهو المسمار، فِعال مِن : دسره : إذا دفعه ؛ لأنه يدسَر به مَنفذه. ﴿تجري بأعيننا﴾ أي بمرأىً منا، أو : بحفظنا، وهو حال من فاعل " تجري "، أي : تجري محفوظة ﴿جزاءً﴾ مفعول له، أي : فعلنا ذلك جزاءً ﴿لمن كان كُفِرَ﴾ وهو نوح عليه السلام، وجعله مكفوراً ؛ لأن النبي نعمة من الله ورحمة، فكان نوح نعمة مكفورة. وقرأ مجاهد بفتح الكاف، أي : عقاباً لمَن كَفَرَ بالله. قيل : ما نجا من الغرق إلاَّ عُوج بن عُنُق، كان الماء إلى حجزته، وسبب نجاته : أنّ نوحاً احتاج إلى خشب الساج للسفية، فلم يمكنه نقلها، فحمل عُوج تلك الخشب إليه من الشام، فشكر الله له ذلك، ونجّاه من الغرق. قال الثعلبي. قلت : وقد تقدّم إبطاله في سورة العقود، وأنه من وضع الزنادقة. ذكره القسطلاني.