ثم بيَّن ما أجمل فقال :﴿إِنَّا أرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً﴾ باردة أو : شديدة الصوت، ﴿في يوم نَحْسٍ﴾ شؤم ﴿مستمرٍ﴾ شؤمه عليهم إلى أن أهلكهم، وكان في أربعاء آخر شوال، ﴿تَنزِعُ الناسَ﴾ أي : تقلعهم، وجاء بالظاهر مكان المضمر ؛ ليشمل ذكورَهم وإناثهم، صغيرهم وكبيرهم. رُوي : أنهم كانوا يتداخلون الشِّعاب، ويحفرون الحفر، ويندسُّون فيها، ويُمسك بعضهم ببعض ؛ فتزعجهم الريح، وتَصرعُهم موتى.
قال ابن إسحاق : ولمّا هاجت عليهم الريح، قام سبعةُ نفرٍ من عاد فأولجوا العيال في شعب بين جبلَين، ثم اصطفُّوا على باب الشعب، ليردُّوا الريحَ عنهم، فجعلت الريحُ تجعفهم رجلاً رجلاً. هـ. ثم صاروا بعد موتهم ﴿كأنهم أعجازُ نخل مُنقَعرٍ﴾ أي : أصول نخل منقلع من مغارسه، وشُبِّهوا بأعجاز النخلة، وهي أصولها التي قطعت روؤسها ؛ لأنّ الريح كانت تقطع رؤوسهم، فتبقى أجساداً بلا رؤوس، فيتساقطون على الأرض أمواتاً، وهم جثث طوال. وتذكير صفة النخل بالنظر إلى اللفظ، كما أن تأنيثه في قوله تعالى :﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحافة : ٧] بالنظر للمعنى. ﴿فكيف كان عذابي ونُذُر﴾ ؟ ! تهويل وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما، فليس فيها شائبة تكرار، وما قيل : من أن الأول لِما حاق بهم في الدنيا، والثاني لِما يحيق بهم في الآخرة، يرده ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي.
﴿ولقد يَسَّرنا القرآنَ للذكرفهل من مُّدَّكِرٍ﴾ ؟ ! وفي تكريره بعد كل قصة ؛ تنبيه على أن إيراد قصص الأمم إنما هو للوعظ والتذكار، وللانزجار عن مثل فعلهم، لا لمجرد السماع والتلذُّذ بأخبارهم، كما هي عادة القصاص.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٦


الصفحة التالية
Icon