الإشارة : من شأن النفوس العاتية المُتجبرة العادية ؛ تكذيب أهل الخصوصية كيفهما كانوا، ولا ترضى بحط رأسها لمَن يدعوها إلى ربها، فيُرسل اللّهُ عليهم ريحَ الهوى والخذلان، فتصرعهم في محل الذل والهوان، وتتركهم عبيداً لنفوسهم الخسيسة، وللدنيا الدنية، فكيف كان عذابي هؤلاء وإنذاري لهم ؟ ! ولقد يسّرنا القرآن للذكر، وبيَّنَّا فيه ما فعلنا بأهل التكبُّر والعناد من الإهانة والطرد والإبعاد، فهل مِن مدكر، يتيقّظ مِن سنة غفلته، ويرحل من دنياه لآخرته، ومن نفسه إلى ربه ؟
٢٥٧
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿كذبت ثمودُ بالنُذُر﴾ بصالح عليه السلام ؛ لأنَّ مَن كذّب واحداً فقد كذّب الجميع ؛ لاتفاقهم في الشرائع، أو : كذّبوا بالإنذارات والمواعظ التي يسمعونها من صالح، ﴿فقالوا أَبَشراً منا﴾ أي : كائناً من جنسنا، وانتصابه بفعل يُفسره " نتبعه " أي : أنتبع بشراً منا ﴿واحداً﴾ منفرداً لا تباعة له ؟ أو : واحداً من الناس لا شرف له ﴿نَتبه﴾ وندع ديننا ؟ ﴿إِنَّا إِذاً﴾ أي : على تقدير اتباعنا له، وهو مفرد ونحن أمة جمة ﴿لفي ضلالٍ﴾ عن الصواب ﴿وسُعُرٍ﴾ نيران تحرق، جمع " سعير ". كان صالح يقول فعكسوا عليه، لغاية عتوهم، وقالوا : إن اتبعناك كنا كنا تقول. وقيل : المراد بالسعر : الجنون، لأنها تشوه صاحبها، أنكروا أن يكون الرسول بشراً، وطلبوا أن يكون من الملائكة، وأنكروا أن تتبع أمةٌ واحداً، أو : رجلاً لا شرف له في زعمهم، حيث لم يتعاط معهم أسباب الدنيا. ويؤيد التأويل الثاني قوله :﴿أأُلقيَ الذِكْرُ﴾ أي : الوحي ﴿عليه مِن بيننا﴾ وفينا مَن هو أحق منه بالاختيار للنبوة ؟ ﴿بل هو كذّاب أشِرٌ﴾ أي : بطر متكبر، حَمَلَه بطرُه وطلبُه التعظيم علينا على ادعائه ذلك.