يقول الحق جلّ جلاله :﴿كذبت قومُ لوط بالنُذر﴾ وقد تقدّم، ﴿إِنّا أرسلنا عليهم﴾ أي : على قوم لوط ﴿حاصِباً﴾ أي : ريحاً تحصبهم، أي : ترميهم بالحصباء، ﴿إِلا آلَ لوطٍ﴾ ابنتيه ومَن آمن معه، ﴿نجيناهم بسَحَرٍ﴾ ملتبسين بسَحَرٍ من الأسحار، ولذا صرفه، وهو آخر الليل، أو : السُدس الأخير منه، وقيل : هما سحران، فالسَحَر الأعلى : قبل انصداع الفجر، والآخر : عند انصداعه، ﴿نعمةً مِن عندنا﴾ أي : إنعاماً منا، وهو علة لنجَّينا، ﴿كذلك﴾ أي : مثل ذلك الجزاء العجيب ﴿نجزي من شَكَرَ﴾ نعمتنا بالإيمان والطاعة.
﴿ولقد أَنذَرَهم﴾ لوط ﴿بطشَتنا﴾ أخذتنا الشديدة بالعذاب، ﴿فتمَارَوا﴾ فكذّبوا ﴿بالنُذُر﴾ بإنذاره متشاكّين فيه، ﴿ولقد راودوه عن ضيفه﴾ قصدوا الفجور بأضيافه، ﴿فطمسنا أعينَهم﴾ فمسخناها وسويناها كسائر الوجه، أي : صارت وجوههم صفيحة واحدة لا ثقب فيها.
رُوي أنهم لمَّا قصدوا دار لوط، وعالجوا بابها ليدخلوا، قالت الرسل للوط : خلّ بينهم وبين الدخول، فإنّا رُسل ربك، لن يصلوا إليك. وفي رواية : لمّا مُنعوا من الباب تسوّروا الحائط، فدخلوا، فصفعهم جبريل بجناحه ؛ فتركهم عُمياً يترددون، ولا يهتدون إلى الباب، فأخرجهم لوط عُمياً. وقلنا لهم على ألسنة الرسل، أو بلسان الحال :﴿فذُوقوا عذابي ونُذُرِ﴾ أي : وبال إنذاري، والمراد به : الطمس ؛ فإنه من جملة ما أُنذروا به.
﴿ولقد صبَّحهم بُكرةً﴾ أول النهار ﴿عذابٌ مستقِرٌ﴾ لا يفارقهم حتى يُسلمهم إلى النار، وفي وصفه بالاستقرار إيماء إلى أنّ عذاب الطمس ينتهي إليه، ﴿فذوقوا عذابي ونُذُرِ﴾ حكاية لما قيل لهم حينئذ من جهته - تعالى - تشديداً للعتاب.