وقال القشيري :﴿والنخلُ ذات الأكمام﴾ من فواكه الوحدانيات المستورة عن الأغيار، المستورة عن غير أهلها. ثم قال :﴿والحب ذو العصف﴾ من حبة المحبة الذاتية، غير القابلة للتغيُّر والاستبدلال، المشتملة على الأرزاق المكتنفة بالمعارف والحاقئق والحِكِم. هـ. والريحان هو قوت الأرواح من اليقين، أو نسيم الأذواق والوجدان، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكذّبان﴾ أيها الثقلان، أو أيها النفس والروح ؛ إذ كل منهما فاز بأمنيته، ووصل إلى نهاية ما اشتهاه، إذا عمل بما تقدّم، وأصغى بأُذن قلبه إلى ما عددناه. وبالله التوفيق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٦٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿خَلَقَ الإِنسانَ﴾ آدم ﴿من صلصالٍ﴾ من طين يابس، له صلصلة، أي : صوت ﴿كالفَخَّار﴾ كالطين المطبوخ بالنار وهو الخزف. ولا تخالف بين هذا وبين قوله :﴿مِّنْ حَمإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر : ٢٦] و ﴿مِّن طِينٍ لاَّزِب﴾ [الصافات : ١١] لاتفاقهما معنىً، لأنَّ المعنى : أنَّ أصل خلقه من تراب، ثم جعله طيناً، ثم حمأً مسنوناً، ثم صلصالاً. ﴿وخَلَقَ الجانَّ﴾ أي : الجن، او أبا الجن إبليس، ﴿من مَارجٍ من نار﴾ والمارج هو اللهب الصافي، الذي لا دخان فيه، وقيل : المختلط بسواد النار، من : مَرجَ الشي : إذا اضطرب أو اختلط، و " مِن " : بيانية، كأ، ه قيل : مِن صاف النار، أو مختلط من النار، أو أراد : من نار مخصوصة.
﴿فبأي آلاءِ ربكما تُكَذِّبان﴾ مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم. قال القشيري : وكرّر سبحانه هذه الآية في غير موضع، على جهة التقرير بالنعمة على التفاصيل. نعمة بعد نعمة، ووجه النعمة في خلق آدم من طين : أنه رقّاه إلى رتبةٍ
٢٧٠
بعد أن خلقه من طين، وكذلك القول في ﴿مارج من نار﴾. هـ. يعني : أنَّ آدم رقّاه إلى رتبة الروحانية والخلافة، والجن إلى رتبة التصرُّف الباطني في الآدمي وغيره.