﴿مَرَجَ البحرين يلتقيان﴾ أي : أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا فصل بين الماءين بإسماك أحدهما عن الآخر في مرأى العين. قال في الحاشية : ويُقرب ما ذكره ما هو مشهود في الريف مع الماء، فاعتبر به، وبالأبيض من البيضة مع الأصفر منها، وقيل : أرسل بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط ؛ لانهما خلجان يتشعبان منه، ﴿بينهما برزخٌ﴾ حاجز من قدرة ا لله تعالى، ﴿لا يَبغِيان﴾ لا يتجاوزان حدّيهما، ولا يبغي أحدُهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية، أو : لا يتجاوزان حدّيهما بإغراق ما بينهما، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان﴾ وليس شيء منها يقبل التكذيب. ﴿يَخْرُجُ منهما اللؤلؤُ والمَرجانُ﴾ اللؤلؤ : الدرّ، والمَرجان : الخرزُ الأحمر المشهور. قلت : هو شجر ينبت في الحجر في وسط البحر، وهو موجود في بحر المغرب، ما بين طنجة وسبتة. وقال الطرطوشي : هو عروق حُمر يطلع من البحر كأصابع الكف، وشاهدناه بأرض المغرب مراراً. هـ. وقيل : اللؤلؤ : كِبار الدر، والمرجان : صِغاره. وإنما قال :" منهما " وهما إنما يخرجان من الملح ؛ لأنهما لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يُقال : يخرجان منهما. ونقل الأخفش عن قوم : أنهما يخرجان من المالح والعذب، وليس لِمن ردّه حجة قاطعة، ومَن أثبت أَولى ممن نفى. هـ. قال أبو حيان : والظاهر خروجهما منهما، وحكاه الأخفش عن قوم. هـ. ﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذَّبان﴾ مع ظهور هذه النعمة.
﴿وله الجوارِ﴾ أي : السفن، جمع : جارية، ﴿المُنشَئاتُ﴾ المرفوعات الشُرَّع، وقرأ حمزة ويحيى بكسر الشين، أي : الرافعات الشُروع، أي القلاع، أو : اللاتي يُنشئن الأمواج
٢٧١
بمَخْرهن ﴿في البحر كالأعلام﴾ كالجبال الشاهقة، جمع عَلَم، وهو الجبل الطويل، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان﴾ مِن خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها، وكيفية تركيبها، وإجرائها في البحر، بأسباب لا يَقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه.


الصفحة التالية
Icon