يقول الحق جلّ جلاله :﴿يَسْألُه مَن في السماوات والأرض﴾ مِن ملَكٍ وإنسٍ وجن وغيرهم، لا غنى لأحد منهم عنه سبحانه، كل منهم يسأل حاجته، إما بلسان مقاله، أو بلسان حاله، أهل السموات يسأله قوت أرواحهم، وأهل الأرض قوتَ أشباحهم
٢٧٣
وأرواحهم. وقال أبو السعود : فإنهم كافة، من حيث حقائقهم الممكِنة، بمعزلٍ من استحقاق الوجود، وما يتفرّع عليه من الكمالات بأسره، بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشمُّوا رائحة الوجود أصلاً، فهم في كل أمر مستمدون على الاستدعاء والسؤال. هـ.
ويُوقف على قوله :﴿والأرض﴾ ثم يبتدأ بقوله :﴿كُلَّ يومٍ﴾ فهو ظرف لقوله :﴿هو في شأن﴾ أي : هو كائن كل وقت وحين في شأنٍ من شؤون خلقه، التي من جملتها : إعطاؤهم ما سألوا، فإنه تعالى لا يزال يُنشئ أشخاصاً، ويُفني آخرين، ويأتي بأحوالٍ ويذهب بأحوالٍ، حسبما تقتضيه مشيئته، المبنية على الحِكَم البالغة، وسمعتُ شيخنا الفقيه العلاّمة، سيدي " التاودي بن سودة " - رحمه الله - يقول في تفسيرها : إنَّ من شؤونه تعالى أنه كل يوم يُجهّز ثلاثة جيوش : جيشاً إلى الأرحام، وجيشاً إلى الدنيا، وجيشاً إلى المقابر. هـ. وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان، أحدهما : اليوم الذي هو مدة الدنيا، فشأنه فيه : الأمر والنهي، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والآخر : يوم القيامة، فشأنه فيه : الجزاء والحساب.