﴿سَنَفْرُغ لكم أيه الثقلانِ﴾ سنتجرّد لحسابكم وجزائكم، مستعار من قول الرجل لمَن يتهدّده : سأفرغ لك، أي : سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك، ويجوز أن يُراد : ستنتهي الدنيا ويبلغ آخرها، وينتهي عند ذلك شؤون الخلق، التي أرادها بقوله :﴿كل يوم هو في شأن﴾ فلا يبقى إلاَّ شأن واحد، وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل، و " الثقلان " : الجن والإنس، سُمّيا بذلك ؛ لثقلهما على الأرض، أو : لرزانة آرائهما، أو : لأنهما مُثقلان بالتكليف، ﴿فبأي آلاء ربكما﴾ التي من جملتها : التنبيه على ما يلقونه يوم القيامة، للتحذير عما يؤدي إلى سوء الحساب، ﴿تُكذِّبان﴾ بأقوالكما أو بأعمالكما.
﴿يا معشرَ الجنِّ والإِنس﴾ هو كالترجمة لقوله :" أيه الثقلان " ﴿إِن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرضِ﴾ بأن تهربوا من قضائي، وتخرجوا من ملكوتي، ومن أقطار سماواتي وأرضي، ﴿فانفذوا﴾ وخلِّصوا أنفسكم من عقابي، ﴿لا تنفُذون﴾ لا تقدرون على النفوذ ﴿إِلاَّ بسلطانٍ﴾ إِلاّ بقوةٍ وقهرٍ، وأنتم من ذلك بمعزل بعيد. قيل : يُقال لهم هذا يوم القيامة، حين تُحدق بهم الملائكة، فإذا رآهم الجن والإنس هربوا، فلا يأتون وجهاً إلاّ وجدوا الملائكة أحاطت به. ﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان﴾ التي من جملتها : التنبيه والتحذير ؛ ليقع التأهُّب لتلك الأهوال.
﴿يُرْسَلُ عليكم شُواظ من نارٍ﴾ أي : لهب خالص منها. وفيه لغتان : ضم الشين وكسرها، ﴿ونُحاسٌ﴾ أي : دخان، مَن رفعه عطفه على " شواظ " ومَن جرّه فعلى " نار "، والمعنى، إذا خرجتم من قبوركم يُرسل عليكم لهب خالص من النار، ودخان يسوقكم إلى المحشر، ﴿فلا تنتصرانِ﴾ فلا تمنعان منهما، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان﴾ فإنَّ بيان العواقب لُطفٌ ونعمةٌ لمَن ينتبه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٣