فإِذا انشقت السماءُ} أي : انصدعت يوم القيامة ﴿فكانت وَرْدَةً﴾ فصارت كلون الورد الأحمر ﴿كالدِّهان﴾ كدهن الزيت، كما قال :﴿كَالْمُهْلِ﴾ [المعارج : ٨] وهو دُردِيّ الزيت، وهو جمع دهن، وقيل : الدهان : الأديم الأحمر. وجواب " إذا " محذوف، أي : يكون من الأهوال والأحوال ما لا يحيط به دائرة المقال.
قلت : وهذا الانشقاق يحصل للسموات والناسُ في المحشر، ثم تدنو الشمس من الخلائق، فيعظم الخطب والهول، إلاّ ما استثني في حديث السبعة. وقيل : يحصل قبل
٢٧٥
البعث، كما في البدور السافرة. والله أعلم بحقيقة الأمر.
﴿فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان﴾ مع عِظم شأنها، ﴿فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إِنس ولا جانٌّ﴾ لأنهم يُعرفون بسيماهم وذلك أول ما يخرجون من القبور، ويُحشرون إلى الموقف أفواجاً على اختلاف مراتبهم، وأمّا قوله تعالى :﴿فوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر : ٩٢] ونحوه ؛ ففي موقف المناقشة والحساب، فيوم القيامة يوم طويل، وفيه مواطن، يُسألون في موطن، ولا يُسألون في آخر. وقال قتادة : قد كانت مسألة، ثم ختم على أفواه القوم. وقيل : لا يُسأل ليَعلم من جهته، ولكن يُسأل للتوبيخ. وضمير ﴿ذنبه﴾ للإنس لتقدُّمه رتبة، وإفراده لأنّ المراد فرد من الإنس، والمراد بالجان الجن، فوضع الجان - الذي هو أبو الجن موضع الجن، كأنه قيل : لا يُسأل عن ذنبه أنسي ولا جني، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكذِّبان﴾ مع كثر منافعها ؛ فإنَّ الإخبار بما ذكر يزجركم عن الشر المؤدي إليه.
الإشارة : يسأله مَن في سماوات الأرواح ما يليق بروحانيته، من كشف الأسرار، وتوالي الأنوار، فهو دائم سائل مفتقر، لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره، وسؤاله إما بلسان حاله أو مقاله، ويسأله مَن في أرض البشرية ممن لم يترقّ إلى عالم الروحانية ما يليق بضعف بشريته، من القوت الحسي، وما يلائمه من ضرورية البشرية، أو يكون سبب نجاته ونعيمه يوم القيامة، من الاستقامة الظاهرة.


الصفحة التالية
Icon