﴿يُرسل عليكم شُواظ من نار ونُحاس...﴾ الخ، قال القشيري : يُخاطب معشر جن النفس بإرسال لهب البُعد والقطيعة عليهم، بواسطة انغماسهم وانهماكهم في استيفاء اللذات الجسمانية، والشهوات الحيوانية، على الدوام والاستمرار، ويُخاطب معشر إنس الروح بصب الصُفر المذاب على رؤوسهم، بسبب انحطاطهم من المقام الروحي العلوي، إلى المقام النفس السفلي بالتراجع، ولا يقدر أحدهما على نصرة الآخر. ﴿فبأي آلاء ربكما تُكذّبان﴾ فإنَّ تعذيب مستحق العذاب، وتنعيم متسحق النعيم، والتمييز بين جن النفس العاصي، وبين إنس الروح، من الآلاء العظيمة. هـ. فإذا انشقت السماء الحسية، أي : ذابت وتلاشت بذكر اسم الله عليها من العارف، فكانت وردةً يهب بنسيم المعاني من أكنافها، كالدهان : كالزيت المُذاب، حين تذوب بالفكرة الصافية، والحاصل : أنَّ سائر الكائنات، تذوب وتتلطّف حين تستولي عليها المعاني القائمة بها، ﴿فبأي آلاء ربكما تُكذِّبان﴾ مع ظهور هذه النعمة العظيمة، التي خَفِيَتْ عن جُلّ الناس، ﴿فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان﴾ ممن بلغ منهم إلى هذه المرتبة العظيمة، فأهل العيان لم يبقَ في حقهم طاعة ولا عصيان، فلا يتوجه إليهم سؤال ولا عتاب، وفي مناجاة الحق لسيدنا موسى عليه السلام : لا يا موسى إنما يُطيعني ويعصيني أهل الحجاب، وأما مَن لا حجاب بيني وبينه فلا طاعة في حقه ولا معصية. وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : يبلغ الوليّ مبلغاً يُقال له : افعل ما شئت، أصحبناك السلام، وأسقطنا عنك الملامة. هـ. وهذا بعد محق أوصاف النفس، وبعد التحقق بالفناء والبقاء. والله تعالى أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٣


الصفحة التالية
Icon