خافضةٌ رافعةٌ} أي : هي خافضة لأقوام، رافعة لآخرين، وهو تقرير لِعظمها وتهويل لأمرها، فإنَّ الوقائع العِظام شأنها كذلك، أو : بيان لِما يكون يومئذ من حَطّ الأشقياء إلى الدركات، ورفع السعداء إلى الدرجات، ومن زلزلة الأشياء وإزالة الأجرام عن مقارها، بنثر الكواكب وتسيير الجبال، كما أبان ذلك بقوله :﴿إِذا رُجَّتِ الأرضُ رجّاً﴾ : حُرِّكت تحريكاً شديداً حتى تهدِم كلَّ شيء فوقها، من جبل وبناء، وهو متعلق بخافضه، أي : تخفض وترفع وقت رج الأرض، أي : عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع، ويرتفع ما هو منخفض، أو : بدل من :﴿إذا وقعت﴾، وجواب الشرط :﴿فأصحاب الميمنة﴾، والمعنى : إذا كان كذا فأصحاب الميمنة ما أسعدهم، وما أعظم ما يُجازون به، وما أعظم رتبتهم عند الله في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم. وتقديم الخفض الملتّت، من : بسَّ السويق : إذا لتّه، أو : سِيقت وسُيّرت عن أماكنها، من : بسّ الغنم : إذا ساقها، كقوله تعالى :﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ﴾ [النبأ : ٢٠]. ﴿فكانت﴾ أي : فصارت بسبب ذلك ؛ ﴿هباءً﴾ غباراً ﴿مُنبثاً﴾ منتشراً متفرقاً في الهواء، والهباء : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يُرى إلاّ في الشمس إذا دخلت في كُوة، ﴿وكنتم﴾ معاشر الخلق، أو : أيتها الأُمة ﴿أزواجاً﴾ أصنافاً ﴿ثلاثة﴾ صنفان في الجنة، وصنف النار، قال قتادة : هي منازل الناس يوم القيامة.
ثم فسّر تلك الأزواج، فقال :﴿فأصحابُ الميمنة﴾ وهم الذي يؤتون صحائفهم بأيمانهم ﴿ما أصحابُ الميمنة﴾، تعظيم لشأنهم، و " ما " : استفهام تعجب مبتدأ، و " أصحاب " : خبر، والجملة : خبر المتبدأ الأول، والأصل : فأصحاب الميمنة ما هم ؟ أي : أيّ شيء هم في حالهم وصفتهم ؟ فوضع الظاهر موضع المضمر زيادة في التعظيم، ومثله :﴿الْحَآقَّةُ مَا الْحَآقَّةُ﴾ [الحاقة : ١، ٢] ونظائرها.


الصفحة التالية
Icon