ولمّا ذكّرهم بنعمة الإيجاد، ذكّرهم بنعمة الإمداد، فقال :﴿أفرأيتم ما تحرثون﴾ أي : ما تبذرون حبه وتقلِبون الأرض عليه، ﴿أأنتم تزرعونه﴾ أن : تُنبتونه وتُخرجونه من الأرض نباتاً ﴿أم نحن الزارعون﴾ المُنبِتون له ؟ وفي الحديث :" لا يقل أحدكم، زرعت، وليقل : حرثت " ﴿لو نشاء لجعلناه حُطاماً﴾ هشيماً منكسِراً قبل إدراكه، ﴿فَظَلْتم﴾ بسبب ذلك ﴿تَفَكَّهُون﴾ تتعجَّبُون من سوء حاله إثر ما شهدتموه على أحسن ما يكون، أو : تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه، أو : على ما اقترفتم من المعاصي التي أُصبتم لذلك من أجلها، و " تفكه " من أفعال الإزالة، كتخرّج، وتأثّم، أي : أزال الفُكَاهة، وهي المسرة، فتحصل الندامة، ﴿إِنَّا لمُغْرَمُونَ﴾ أي : قائلين : إنّا لملزمون غرامةَ ما أنفقنا فيها، أو : لمهلَكون لِهلاك قوتنا، من : الغرام، وهو الهلاك، ﴿بل نحن محرومون﴾ حُرمنا ما رزقنا بشؤم تفريطنا، فالمحروم هو الممنوع الرزق. قال ابن عباس :" هو المحارَف " الذي انحرف عنه رزقه.
٢٩٧
﴿أفرأيتم الماءَ الذي تشربون﴾ أي : الماء العذب الصالح للشرب، ﴿أأنتم أنزلتموه من المُزنِ﴾ السحاب الأبيض، وهو أعذب ماءٍ، أو مطلق السحاب، واحدها " مزنة "، ﴿أم نحن المنزلون﴾ بقدرتنا، فأسكناه في الأرض، ثم أخرجناه عيوناً وأنهاراً ؟ ﴿لو نشاء جعلناه أُجَاجاً﴾ أي : ملحاً، أو مُرّاً لا يُقْدَر على شربه، ﴿فلولا﴾ فهلاَّ ﴿تشكرون﴾ تحضيض على شكر الكل، وحذف اللام هنا مع إثباتها في الشرطية الأولى ؛ لأنّ هذه اللام تُفيد معنى التأكيد، فأُدخلت في آية المطعوم دون المشروب ؛ للدلالة على أن أمر المطعوم متقدم على أمر المشروب، وأنْ الوعيد بفقده أشد وأصعب، مِن قِبَل أنّ المشروب إنما يُحتاج إليه تبعاً للمطعوم، ولهذا قُدِّمت آية المطعوم على آية المشروب، وقيل غير ذلك في حكمة إدخالها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٩٦