يقول الحق جلّ جلاله لمَّا وبَّخهم على تكذيبهم بالقرآن الناطق بقوله :﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ [الواقعة : ٧٥]، ثم أوقفهم على أنهم تحت قهر ملكوته، من حيث طعامهم وشرابهم وسائر أسباب معاشهم، عجزهم بقهرية الموت، فقال :﴿فلولا﴾ أي : هلاَّ ﴿إِذا بلغتْ﴾ الروح عند الموت ﴿الحلقومَ﴾ وهو ممرّ الطعام والشراب، وتداعت للخروج ﴿وأنتم حينئذٍ﴾ أيها الحاضرون حول صاحبها ﴿تنظرون﴾ إلى ما هو فيه من الغمرات، ﴿ونحن أقربُ إِليه﴾ علماً وقدرة وإحاطة ﴿منكم﴾ حيث لا تعرفون من حاله إلاَّ ما تُشاهدون من أثر الشدة، من غير أن تقفوا على كنهها وكيفيتها وأسبابها، ولا أن تقدروا على دفع أدنى شيء منها، ونحن المتولون لتفاصيل أحواله، ﴿ولكن لا تُبصرون﴾ لا تدركون ذلك لجهلكم بشؤوننا، ﴿فلولا إِن كنتم غير مَدِينينَ﴾ غير مربوبين مقهورين، من : دان السطلان رعيته : إذا ساسهم واستعبدهم، والمحضَض عليه قوله :﴿ترجعونها﴾
٣٠٣
تردون الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم ﴿إِن كنتم صادقين﴾ أنكم غير مربوبين مقهورين.
وترتيب الآية : فلولا إذا بلغت الروحُ الحلقومَ، وأنتم تنظرون إليه، يُعالج سكرات الموت، ترجعونها إلى الجسد إن كنتم غير مربوبين، فـ " لولا " الثانية مكررة للأولى ؛ للتأكيد، والمعنى : إنكم في عموم جحودكم إن أنزلت عليكم كتاباً قلتم : سحرٌ وافتراءٌ، وإن أرسلتُ إليكم رسولاً صادقاً قلتم : ساحرٌ كذابٌ، وإن رزقتكم مطراً يُحييكم قلتم : صدق نوء كذا، على مذهب التعطيل، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن إذا بلغ الحلقوم، إن كنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمُحيي المييت، المبدئ المعيد، وأنكم غير مربوبين مقهورين ؟ !.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٠٣


الصفحة التالية
Icon