ثم ذكر أحوال الأرواح عبد الموت في البرزخ، فقال :﴿فأمّا إِن كان﴾ المتوفى ﴿من المقرَّبين﴾ من السابقين، من الأزواج الثلاثة المذكورة أول السورة، عبّر عنهم هنا بأجلّ أوصافهم، وهو شدة القرب، بعد أن عبّر عنهم أولاً بالسبق، فالسابقون هم المقربون، وهم العارفون بالله معرفة العيان، أهل الفناء في الذات، لقوله ﷺ :" سبق المُفَرِّدون "، قيل : ومَن المُفَرِّدون يا رسول الله ؟ قال :" المسْتَهترون بذكر الله " الحديث. فالسابقون هم المولعون بذكر الله، حتى امتزج مع لحمهم ودمهم، فحصل لهم القرب من الحق.
﴿فَرَوْحٌ﴾ أي : فلهم روح، أي : راحة للروح لأرواحهم من هموم الدنيا وغمومها، ومن ضيق عالم الأشباح إلى خالص عالم الأرواح، مع أن هذا حاصل لهم قبل الموت، لكن يتسع ميدانه بعد الموت، أو : رحمة تخصهم، أو : نسيم يهب عليهم. وفي القاموس : الرَّوح - بالفتح : الراحة والرحمة ونعيم الريح. هـ. وقرئ بالضم، وهي مروية عنه ﷺ، أي : الحياة والبقاء، أو : فله حياة طيبة دائمة لا موت فيها ﴿وريحانٌ﴾ أي : رزق، بلغة حِمْير، والمراد : رزق أرواحهم من العلوم والأسرار، أو : أشباحهم، فإنّ أرواحهم تتطور على شكر صاحبها، فتأكل من ثمار الجنة، وتشرب من أنهارها. كما في حديث الشهداء، والصديقون أعظم منهم، أو : جنة، أو : هو الريحان الذي يُشمّ. قال أبو العالية :" لا يُفارق أحدٌ من المقربين الدنيا حتى يؤتى ببعض من ريحان الجنة فيشمه، فتفيض روحه "، ﴿وجنةُ نعيم﴾ تتنعّم فيها روحه في عالم البرزخ، ثم جسمه وروحه بعد البعث، وهذا يقتضي أنّ الأرواح تدخل الجنة قبل البعث، وهو خاص بالشهداء والصدِّيقين.
﴿وأمّا إِن كان مِن أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين﴾ أي : فسلام لك
٣٠٤