والمراد بذكر الله ذكر اسمه تعالى على أي لفظ كان، كقوله :﴿إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ...﴾ [الأنفال : ٢] الآية، أو : القرآن، فيكون قوله :﴿وما نَزَلَ من الحق﴾ عطف تفسير، أو لتغاير العنوانين، فإنه ذِكْرٌ وموعظة، كما أنه حقٌّ نازل من السماء. والمراد بالخشوع : الإنابة والخضوع، ومتابعة الأمر والنهي. ﴿ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبلُ﴾ أي : اليهود والنصارى، ﴿فطال عليهم الأمدُ﴾ الزمن بينهم وبين أنبيائهم، ﴿فقست قلوبُهم﴾ باتباع الشهوات، وذلك أنَّ بني إسرائيل كان الحقُّ يحول بينهم وبين شهواتهم، وإذا سمِعوا التوراة خشعوا له، ورقَّت قلوبهم، فلما طال عليهم الزمان غلب عليهم الجفاء والقسوة، واختلفوا.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٧
قال ابن مسعود : إن بني إسرائيل لمّا طال عليهم الأمد قست قلوبُهم، فاخترعوا كتاباً
٣١٨
من عند أنفسهم، استحلته أنفُسِهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثيرٍ من شهواتهم، حتى نبذوا كتابَ الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، ثم قالوا : اعْرِضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم فاتركوهم، وإلاَّ فاقتلوهم. ثم اتفقوا أن يرسلوه إلى عالمٍ من علمائهم، [وقالوا] : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد، وإلاَّ قتلتموه، فلا يختلف علينا بعده أحد، فأرسلوا إليه، فكتب كتاب الله في ورقة، وجعلها في قرن، وعلقها في عنقه، ثم لبس عليه ثيابه، وأتاهم، فعرضوا عليه كتابهم، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فأومئ إلى صدره، وقال : آمنتُ بهذا - يعني المعلَّق على صدره - فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة. هـ.